الثلاثاء، مارس 17، 2009

انواع مبهجة للموت

كلمات كنت قد كتبتها في أوقات متفرقة بعيدة .. و لما أعدت قرائتها وجدت أن هناك خيط خفي يجمعها كلها ببعضها ... حاولت اقتفاء اثر هذا الخيط ... فلم اجده

***
تنتابني من و قت لأخر نوبات من الصمت ... الصمت العميق ... لا اود أن احدث احدا فيها مهما بلغ من القرب مني ... ادخل الي الكهف ..و اغلق بوابته بحجر ضخم لا يستطيع أي مخلوق تحريكه ... حتي أنا
في هذا الوقت يشعرني هاتفي المحمول و رناته المتصلة بأنه يخترق خصوصيتي ... اتتني رسالة من صديقة أخرها كان – كن بخير يا صديقي – شعرت وقتها أن الكهف ربما يكون شفاف لبعض الناس ... بالأخص من يقتربون من أن يكونوا كائنات نورانية لا يزعجوا ابدا من يقتربون منه
لا يهمني أن تراني تلك الكائنات حتي و أنا فاقد للتواصل معهم كل ما يهمني أن اظل بداخل الكهف استنشق الصمت ... ليبعث الطمأنينة رويدا رويدا لروحي المنزعجة

***

توصلت لهذة الحقيقة منذ زمن طويل و يوما بعد يوم تتأكد لي صحتها ... احب الصداقة مع الفتيات المسيحيات ممن يكبرونني في العمر , أو المسلمات بجميع اعمارهم ... و لا احب أن اصادق أي فتاة يمكن أن تعتبرني مشروع عريس مقبل ... و تنشأ الحساسيات و الحزازيات نتاج لذلك ... و بعد فترة اتحول الي صورة في البوم العرسان لديها فهذا امر مزعج ... مزعج جدا

***

عندما دخلت الي مكان عملها وجدتهم ملتفين من حولها ... كانت تتحدث في التليفون قبلها بعشرين دقيقة معي
كانت تبكي و صوت انفاسها يعلو و يهبط لدرجة مخيفة ... في اثناء محاولاتي لتهدئتها و محاولة فهم ماذا حدث إنقطع الخط .. عاودت الاتصال بها .. اجابني زميلها في العمل ... فسألته عنها فأخبرني بأنها في طريقها الي المستشفي
بعدها بيومين .. قالت لي انها شعرت بحالة من الصفاء الشديدة بعد أن فقدت الوعي ... و أنها اصبحت اسعد حالا و تصالحت مع الحياة و الظروف اخيرا
اعرف أن الروح في هذه الاثناء يخرج جزء كبير منها من الجسد .. فتري للحظات قليلة الفضاء الواسع لحريتها خارج الجسد المادي ... الحرية التي تتحقق بالموت ... و تعود الروح بعد ذلك الي الجسد كطفل صغير زار الحدائق لأول مرة ... مبتهج ... دائما يعود هؤلاء من كانوا يواجهون الموت سواء في الحروب أو بعد نوبات الأزمات القلبية ... أشخاص مختلفين ... لا احد يمر بهذة التجربة و يظل هو هو نفس الشخص ابدا

***

صديقة اخري ... عندما جلست معها ... و هي الخرق الوحيد للقانون الذي ذكرته بالأعلي عن الصداقة مع الفتيات ... فقد اصلح لها كمشروع صورة في البوم العرسان الخاص بها لأنها اصغر مني سنا ... و لكنني أعتبرها مثل أختي تماما ... و هي أيضا ... قالت لي انها اصبحت تتعجب من نفسها ... فوجود بعض الأشخاص في حياتها يجعلها سعيدة ... و لكن غيابهم لا يسبب لها أي شعور بافتقادهم ابدا ... فقلت لها هذا هو الكهف ... و لما شرحت لها نظرية الكهوف ... ابتسمت و اشارت لي لأحد المجانين كان يعبر الشارع في الناحية الأخري ... و قالت لي هذا الرجل يحمل كهفه و يمشي ... فاعجبتني اللعبة ... فقلت لها ... كل هؤلاء المارين من امامنا ... يحملون كهوفهم و يمشون فعلت ضحكاتنا وسط استهجان العاملين بالمكان

***

احببتها لمدة اسبوع بعد أن عرضت هي علي ذلك ... سعدت كثيرا بهذا العرض
هي المرة الأولي بالنسبة الي أن تأتي فتاة و تقول لي ... بحبك ... اكتشفت بعدها انني لم اعد قادر علي ممارسة احساس الحب ... انني كنت سعيد فقط لأنها تجربة جديدة تماما علي ... بأن تقتحم فتاة جميلة عزلتي ... بدأ الموضوع ببعض الملاطفات الخفيفة ثم الي لغة العيون ... و لم افطن له الا عندما صارحتني هي ... ففي المراحل الأولي للملاطفات كان الجميع يلاحظون هذا الا انا ... فكنت ابدو كالأبله ... او كمن يدعي البلاهة ... لا فارق
ارسلت لها امس رسالة قصيرة من تليفوني المحمول ... فلم أعد قادرا علي ممارسة فعل النطق ... و سيطر الصمت تماما علي تلك الحاسة البغيضة لدي ... قلت لها
اسف ... لم اعد استطيع ان اكمل معكي ... ليس لدي أي مخزون مشاعر لكي أو لأي فتاة
فأرسلت لي رسالة فارغة من الحروف كأجابة ... فتيقنت من أن فيروس الصمت انتقل في صمت مني اليها في اقل من اسبوع

***

الكتابة اليومية هي شيء هام للغاية و هي تطيل العمر بالتأكيد ... معظم الكتاب المبدعين ممن احببتهم كانت اعمارهم طويلة ... ببساطة لأنهم كانوا يرون أي حادث شديد الحزن علي النفس البشرية ... كمشهد بديع جدير بالتسجيل حتي و لو كان يحدث لهم هم

***

عندما مر ابراهيم عبد المجيد بجانبنا في معرض الكتاب العام الماضي ... ابتسم رامز الشرقاوي و عبد الرحمن مصطفي ... قالوا لي ... ها هو اديبك المفضل مر بجانبنا و لم تلاحظه ... اذهب و سلم عليه ... و قل له انك الوحيد الذي يقرأ له في مصر ... كانوا يضحكون بشدة و يحاولون استفزازي لمعرفتهم بأنني احب كثيرا كتابات هذا الرجل
كانت قدماي متعبتان لدرجة انني لم استطيع ان الاحق خطواته السريعة فلم اسلم عليه ... في هذا السياج المطبق من الصمت الذي فرضته حول نفسي ... نظرت الي مكتبتي فوجدت رواية عتبات البهجة ... اشتريتها في نفس اليوم الذي رأيت فيه الرجل ... فقررت قرائتها ... بعد أن انتهيت منها استطيع ان اقول و بكل وضوح هذه هي افضل رواية قرأتها منذ ولدتني امي ... في نهايتها اورد هذا المقطع الجميل ... قال علي لسان احد ابطاله – الوقوف علي عتبات البهجة دائما افضل من البهجة نفسها ... اجل , البهجة أمر سهل , لكن إذا طمعت فيها قتلتك و اهلكتك – و في نهاية الرواية قرأت تلك الكلمات الجميلة المزينة برسومات برسومات حلمي التوني – ابطال هذه الرواية الجديدة لأبراهيم عبد المجيد بسطاء في مشاعرهم , ابرياء في استقبال العالم حولهم , وحيدون يلوذون ببعضهم , ينتصرون علي القسوة التي تحاصرهم بالدهشة الدائمة التي تتجلي في أكثر من اسلوب من السخرية , الي روح الدعابة الي القلق الي الوداعة و الرضا . مجسدة لمحفل جميل تختلف فيه طرق الناس للانتصار علي الوقت بالاستمرار فيه او الخروج منه . إنها رواية عن حيرة الإنسان في العالم , رغم ما ينسكب منها من فكاهة أو مرح .
في نهاية الصفحات ايضا ... وجدت نمرة تليفون الكاتب ... و كأنه كان يعرف ... فقررت أن ارسل له رسالة قصيرة دون أن احدثه حتي لا اكسر سياج الصمت ... اقول له فيها ... شكرا علي رواية عتبات البهجة ... أنت اديب عظيم ... اديبي المفضل عن جدارة يا استاذ ابراهيم

13 comments:

Blogger 77Math. said...

جميل جميل جميل !

هناك نقاط مشتركة كثيرة :)

لم أقرأ شيئًا لإبراهيم عبد المجيد، لكن يبدو أنني سأقف على عتبات البهجة قريبًا..

تحياتي لك.

5:19 م  
Blogger Shams Elkharif said...

على فكرة مش انت الوحيد اللى بتقرا لابراهيم عبد المجيد :)

تدوينة متميزة جدا و حبتها قوى معرفش ليه

10:28 م  
Blogger Lou said...

It's love and passion for girls and writing

12:21 ص  
Blogger lastknight said...

انت مشوشنعمه يا هانى ..ده بخصوص الصديقات .. أما بخصوص أبراهيم عبد المجيد ..أتفق معك تماما ..سواء عتبات البهجه أو لا أحد ينام فى الأسكندريه
أفتقد حضورك فى مدونتى

5:07 ص  
Blogger بنت القمر said...

بالنسبه للصديقات
ده تفكير بري بيحكم مرحله معينة لكن مع الوقت بتكتشف ان الانجذاب والحب مفيش حواجز بتمنعه سواء سن او دين
زي البنت لما بتتجوز بتحس انها في امان من المشاعر دي سواء من طرفها او من طرف الاخرين تجاهها لكن بتكتشف مع الوقت ان ده وهم!
الرغبه فقط هي من تجعل الحب يعيش رغم التحديات وليس الزواج!
سواء كان السن او الدين او الزواج نفسه
:)
لكن اتفق معاك بشده ان استبعاد مشاعر الانجذاب وامكانية العلاقه العاطفيه بين الطرفين بيدي شعور مريح جدا
وفعلا بيخلي في امكانيه لصداقه حقيقيه بين راجل وست
:) طب اجيبلك انا عروسه
:p
دمت بود

1:40 ص  
Blogger blackcairorose said...

موضوع الانجذاب لصداقات أشخاص ذوي ملامح اجتماعية او دينية أو سنية معينة، موضوع مثير للاهتمام جدا بالنسبة لي يا هاني، و ربما لولا أنني لست حاليا في المزاج اللازم للكتابة بالتفصيل لهذا الموضوع، الا أني مثلك تماما أجد أن لذي انجذابا لعقد صداقات مع أشخاص قد لا ننتمي سويا لخلفيات مشتركة دينية أو اجتماعية أو نفس المرحلة العمرية وأجد كثيرا ان الاختلاف في محيط كل صديقة او صديق يصبح أحيانا عامل جذب وليس عامل تباعد بيني وبين اصدقائي

12:03 م  
Anonymous غير معرف said...

يشرفنى ان ادعوك لحضور حفل توقيع أول كتاب لى فى عالم الادب " لست الا بعض الاوراق" والذى يقام باذن الله يوم الاحد 5 ابريل 2009

المكان : مكتبة ديوان بمصر الجديدة
العنوان : 105 شارع ابو بكر الصديق مصر الجديدة – مقابل نادى ضباط الجلاء بمصر الجديدة
التاريخ : الاحد 5 ابريل 2009
الميعاد : 7 مساءا

فى انتظار تشريفك

3:23 م  
Blogger identité sans essence said...

الصمت
و الذهاب الى الهنالك
الى ابعد مكان
حيث لا احد
يستطيع الامساك بي

9:23 م  
Blogger Moon-baby said...

اختلف معك في ان الديانة او الاعتقاد قد يبدو عائقا لمشاعر رومانسية....اتفق انه قد يبدو عائقا للزواج...انما المشاعر..كلا البتة! :)) فنحن بشر و قد نجد انسان-انسانة نتواصل معهم على المستوى الروحي و العقلي و النفسي والجسدي...و لكن لا يمكننا تعدي الخطوط الحمراء ( مع ان البعض قد يفعل ذلك)

اما بالنسبة للسن...فكذلك ارى اذا تواصل الطرفان و تعمقا و كانا على درجة عالية من التحرر...فانا شخصيا لا اجد عائقا للزواج.


اه..و في فرق ما بين واحد "اهبل" مش فاهم... و واحد "بيستهبل" لان اللي بيستهبل احيانا بيكون شريك في "اللعبة" :))


و اخيرا...اخر كام بوست فكروني بالتدوينات "التقيلة" اللي كنت قريتها من فترة طويلة...

تحياتي

3:19 ص  
Blogger ^ H@fSS@^ said...

انا مش قصدي ارزل ولا حاجة يا حضرت الباش نقيب
بس انا كمان بقرا لابراهيم عبد المجيد
اقراله البلدة الاخرى

و عتبات البهجة دي من المفضلات عندي و اخر كام سطر فيها انا كتباهم عندي على عتبة لبلوجي

مافيناش من سرقة يعني
ههههههههههههه

10:33 ص  
Blogger أسما said...

كل واحد شايل كهفه و ماشي بيه، فكرة عبقرية و صحيحة 100%. كمان حكاية الوقوف علي عتبات البهجة افضل بكتير من الدخول فيها برده عبقرية... انا هاقرأ للراجل ده

3:07 ص  
Blogger يا مراكبي said...

إستمتعت بكل فقرة على حده .. كان ذلك في إطار محاولتي الجادة في البحث عن رابط بين الفقرات .. فقط لمساعدتك في إيجاده

أعتقد أن الفقرة الأولى هي ملخص ذلك الرابط

9:50 م  
Anonymous غير معرف said...

البوست ده عالي فكرة
و مش لوحدك بتقرا لإبراهيم عبد المجيد
:)

5:43 م  

إرسال تعليق

<< Home