الأحد، مارس 08، 2009

هل صافحتهم كلهم !؟

كان الجو مشمسا للغاية ... و كان جسمي بالكامل مغطي بطبقة شمعية من العرق كنت أبحث عن المكان الذي يجلسون فيه في الزمالك ... عندما توقفت بجانب العسكري لأسأله عن شارع محمد مظهر ... مرت سيارة مسرعة بجانبي و اغرقتني بالمياه الملوثة

بالرغم من أنني كنت ارتدي قميص أبيض و بنطلون كريمي فاتح ... و الاثنين تم صبغهم بالطين الا انني شعرت ببعض الهدوء من اثر رطوبة الملابس المبللة في هذا الحر الشديد

عندما اكتشفت مكان المطعم فتحت البوابة الخشبية و دخلت ... لفحني الهواء البارد فشعرت ببعض الانتعاش ... و أخذت وقتا لكي تعتاد عيناي المكان المعتم ... و عندما رأيت يحيي , تذكرت انني لم اشتري هدية لعيد الميلاد , تذكرت ذلك متأخرا جدا بعد أن كان كل الجالسين ينظرون الي و يبتسمون

يا الله ... كم أكره تلك اللقاءات الكبيرة التي يجلس فيها اناس لا اعرفهم ... الأن يجب أن اصافح الجميع باليد ... عادة اكتسبتها لا اعرف متي و لكني اود التخلص منها ... فيجب أن تسلم و تبتسم ... و انا لم اعد استطيع الابتسام للغرباء ... لم اعد استطيع الابتسام للغرباء !؟

بل لم اعد استطيع الابتسام اساسا

***

عندما بدأت في مصافحة الجالسين ... اكتشفت وجودها ... كانت تجلس في أخر الطاولة تتحدث مع شخص لا اعرفه ... بدين يرتدي نظاره طبية مستديرة صغيرة للغاية ... تبدو حركاته عصبية و يدخن سيجار صغير ... شكله يذكرني باكياس القطن الطبية الممتلئة قبل فتحها ... لا زالت هي تمتلك تلك العيون قاحلة السواد البراقة و الشعر البني الفاتح الغير مصبوغ ... لم اكتشف انني اقف في المنتصف شارد الذهن انظر لها الا عندما وضع يحيي يده فوق كتفي فانتابتني رعشة خفية خفيفة
قال لي ... مالك !؟ تعال اقعد جنبي اعرفك علي هبة ... هبة شاعرة مشهورة ... عارف انك بتحب الشعر ... لم استطع أن اجيبه ... لم اكن اعرف كيف اقول له انني لم اعد اقرأ أي شيء منذ زمن طويل ... طويل جدا ... قد يزيد عن السنتين ... و لكنني جلست بجانبه شارد الذهن


***

في ظل شرودي هذا تشككت في نفسي ... هل صافحت كل الجلوس ... أم توقفت كالابله شارد في المنتصف عندما رأيتها
لا اعرف ... و ماذا سيقول الاصدقاء المشتركين بيننا ان لم اكن قد صافحتها أو اكملت المصافحة للجميع !؟ سيقولون بالطبع انني لازلت مجروحا .. أو أن بيني و بين من لم اسلم عليهم سوء تفاهم ما ... سيتذكر بعضهم حالات شرودي المتكررة و بعض افعالي الغريبة كأشعال السجائر من مؤخرتها ... سيلاحظون أنني اصبحت اهمل في حلاقة ذقني و سيعرفون انني ازور الطبيب النفسي ... سيلاحظون بالتأكيد و لكن ماذا كان يمكنني أن افعل !؟
كان يجب أن اتأكد من انني صافحت الجميع ... لا توجد مشكلة في أن اصافح واحد مرتين ... بالتأكيد كان سينبهني لذلك !! و عندها كنت سأعرف انني صافحتهم كلهم
و لكنني لم افعل ! لماذا اكتشف الحلول متأخرا دائما هكذا ... و هل لو بدأت في مصافحتهم مرة اخري الأن سيلاحظ احدهم اضطرابي الشديد ... و لكنني لا اتذكر اخر واحد صافحته لكي أبدأ به


***


سألت الجالس بجانبي و الذي لا اعرفه ... هو أنا سلمت عليك !؟ و لكنه لم يلاحظ سؤالي فقد خرج صوتي خافتا
فسألته بصوت عالي جدا خرج مني دون ارادتي لأنبهه لسؤالي ... هو أنا سلمت عليك !؟
فانتاب الحضور لحظة من الصمت بسبب سؤالي الذي بدا كبداية لمعركة ... فنظر الي الرجل مندهشا و لم يجيبني ثم اكمل الجميع حديثهم دون أن يلتفت احد لي أو لسؤالي


***


اتخذت قرار بأن اقوم و أتوجه لها مباشرة و اسألها هل صافحتها أم لا و عندما انحنيت بجانبها و سألتها ... هو أنا سلمت عليكي نظرت الي و كأنها تراني للمرة الاولي ... و قالت لي ... مش فاكرة ... و نظرت الي ملابسي المتسخة بامعان غريب دون أن تسألني عن السبب ... فحاولت الابتسام لكي اداري خجلي و لكن خانتني الابتسامة و خرجت بحركة عصبية مرتعشة علي شفتاي ... و لم تبدو ابدا كابتسامة ... فلم اعد قادرا علي الابتسام ... نظرت لها مرة اخري و انا في نصف انحناءة فوجدتها دارت برأسها و اكملت الحديث مع كيس القطن الطبي الجالس بجانبها .. فتسائلت بيني و بين نفسي هل صافحته ام لا !؟

***

لم أدر بأنني وقفت في هذا الوضع المنحني منذ فترة طويلة الا عندما وضع يحيي يده علي كتفي ففردت جسدي بسرعة و درت لأنظر اليه ... عندها شممت رائحة جواربي المبللة في الحذاء الجلدي الجديد ... و ادركت انني لازلت مبللا بالكامل
قال لي يحيي و هو يبتسم ابتسامة حقيقية

انت فين !؟ هبة بتسأل عليك تعال اقعد جنبي


6 comments:

Blogger Unknown said...

هو أنا سلمت عليك


الحاله مكتمله الحضور ونظره جديده الى اشيا اخرى

12:11 ص  
Blogger Islam Attia said...

والله بعودة

2:03 م  
Blogger *SosSoOo* l'o'l said...

انا عندي سؤال ؟؟؟
هو الموقف ده حصل فعلا ؟؟؟
والا من خيالك؟؟

انا الصراحة باحس باحساس سخيف جدا لو حد سألني: هو انا سلمت عليكي؟؟
احساس بقلة القيمة...

7:10 م  
Blogger DantY ElMasrY said...

يحيى لو مليقتوش تتوه
يحيى لو مجاش كانت هاتبقى مصيبة
يحيى نقطة بداية
يحيى نقطة نهاية
يحيى نقطة التقاء

انت عندك حياء فطرى وحياء سلوكى

ومحترم

9:41 م  
Blogger karakib said...

*SosSoOo* l'o'l

دي قصة قصيرة اكيد مش باتكلم عن نفسي فيها
ده خيال ... خيال
بلاش دايما نعمل اسقاط للنص علي المؤلف
و الا يبقي لو قريتي المدونة دي هاتعتبريني متين بني ادم في نفس الوقت

3:29 ص  
Blogger blackcairorose said...

القصة جميلة يا هاني وذكرتني برواية انجليزية قرأتها منذ زمن ولها قصة طريفة قد أحكيها وقت ما في مدونتي

أما سبب الربط بين قصتك والرواية الانجليزية أن الاثنتين تتحدثان على لسان المتكلم عن شخص يبدو غير متزن تماما، وهو تكنيك صعب أن تتحدث بلسان المتكلم وتحكي الاحداث بطريقة طبيعية من وجهة نظرك وتعكس فى نفس الوقت من ردود فعل الآخرين نظرتهم بأن تصرفاتك غير متسقة تماما مع مفاهيمهمومعاييرهم للسلوك السوي أو غير السوي

الرواية كانت على لسان فتاة مصابة بانفصام الشخصية وتعيش في عالم خاص بها جدا غير مبالية بالعالم الحقيقي، تماما مثل بطل قصتك الصغيرة الممتعة

1:15 م  

إرسال تعليق

<< Home