الخميس، مارس 05، 2009

ما علينا

يشبه الأنسان الأرض التي يحيا عليها ... دائما ما تؤثر مكونات الأرض في سكانها ... يأكلون ثمارها و يشربون مياهها .. جلس أبي بعد أخر رحلة عمل له في سوريا و كانت الزيارة الثانية له هناك ... يحكي لي بأن طباع اهل هذا البلد هادئة و محترمة ... فقد تهشمت نظارته بسبب وقوعها علي الأرض و اضطر أن يتعامل مع صاحب محل نظارات و قبلها مع سائق سيارة اجرة ... و كان معظم الناس علي درجة عالية من الاحترام... و اتبع حكايته بأن التربة هناك حمراء اللون و أن اشجار الزيتون كثيرة ... و عندما اخرج صابونة مصنوعة من زيت الزيتون و اشتممت رائحتها شعرت بالسكينة و الهدوء يتسللان الي أنا الأخر ... هذه الصابونة المصنوعة من زيت الزيتون تباع في اوروبا باسعار خيالية ... و يتهافت عليها الفرنسيين كما اعلم ... انها حقيقة أن اصحاب الأرض ... يشبهون كثيرا اراضهم
هكذا ايضا كان يقول المعماري الشهير حسن فتحي ... قل لي أين تسكن ... سأقول لك من أنت
سرحت في تأملاتي هذه اثناء جلوسي في سيارة اجرة و انا ذاهب لفرح صديق ... و عندما انتبهت للطفلة التي يبدو أنها ابنة سائق التاكسي ... حاولت أن انظر بعينيها ... عيون الاطفال دائما مندهشة تتنشق رحيق المشاهد التي تراها ... و تتأثر بها ... مارست هوايتي في النظر للاشياء و كأنني أول مرة أراها هذه المرة من خلال لمعة أعين الطفلة ... فرأيت عيونها تلمع بشدة اثناء اقتراب ميكروباص مننا ... كانت خائفة ... فكرت في أنني يجب أن اضع يداي علي عينيها حتي لا تتأثر و لكن سائق الميكروباص بصق من نافذته و داعب سائق أخر بسب أمه و أبيه و اشياء كثيرة اخري ... فابتسمت لفكرة انني يجب أن اغطي عينيها و اسد اذنيها ايضا
و انزعجت لفكرة عدم انزعاجي لكل هذة المدخلات السيئة لحواسي
يمكنني تفهم بسهولة انزعاج أي اجنبي يقود سيارته في القاهرة أو يتمشي في شوارعها ... هو هو نفس انزعاج اصدقائي من مدينة المنصورة عندما يأتون لزيارتي
في اليوم التالي كان والدي رائقا و يبدو أنه هو الأخر ترك العنان لتأملاته الشخصية في تشابه الناس مع مكونات بيئتهم عندما قال لي ... قديما كان قدماء المصريين يقدسون النيل فلا يلقون بأي شيء فيه ... اما الأن فلا أحد يقدس النهر بل يتبولون فيه ... وجدت في كلامه جانب كبير من الحقيقة ... ما علينا
***
محمد منير غني للنيل و قال : و لا بيوصل و لا بيتوه و لا بيرجع و لا بيغيب ... النيل سؤال و ما زال ما جاش عليه الرد من جد ايه و لفين ؟ مقالش عمره لحد ... و لا بيوصل ... سهران يوشوش ناي و الحلم راح مش جاي ... و باله عالشطين بيحب صوت الناس
و غني البنات بالليل بيكره الحراس لما تدوس بالخيل ... و لا بيوصل ... تفوت ايام تموت احلام تعدي شهور تدور الأرض و الدنيا و هو يدور و لسه بيجري و يعافر و لسه عيونه بتسافر و لسه قلبه لم يتعب من المشاوير
***
كان الاسبوع الأخير عاصفا ... اثنان من أعز اصدقائي بينهم سوء تفاهم خطير ... يتصل بي كل منهم ليشكو من الأخر .. و امارس فضيلة الصمت و الإنصات لكل منهم ... احاول قدر المستطاع ان لا اذم في أي منهما أو أوضح لهما أن الحياة تمر ... استمع اليهم فأشعر بأن كل منهم قديس ... لا يخطيء ابدا ... الكل يتغافل ذلك الجزء الذي اخطأ فيه و يتجاوزه و كأنه لم يحدث ابدا و يذكر اخطاء الأخر ... عجيب أمر هذه النفس البشرية ... تمتلك جهاز مناعة نفسي يمنعها من الاعتراف بالخطأ ... اتذكر أنني قرأت عن مثال صارخ لأستخدام جهاز المناعة النفسي و هو السفاح الأمريكي كرولي ذو المسدسين ... و الذي كان يقتل كل من يشعر بأنه يغضبه .. حتي و لو كان سبب اغضابه أنه لم يرد له التحية ... و عندما القت الشرطة القبض عليه ... قال لهم هذا هو جزائي فقد كنت احاول أن اصلح المجتمع ... هكذا كان يهيأ له جهاز مناعته النفسي ... أنه مصلح اجتماعي
مع ابتعاد نماذج اصدقائي تماما عن هذا القاتل المحترف المهووس ... الا انني و للمرة الاولي استطعت تبين كيف يعمل هذا الجهاز المناعي النفسي بكفاءة شديدة في اثناء سوء التفاهم بين الاصدقاء ... فما بالك بالفرقاء ... ما علينا
***
اعيد قراءة السيرة الذاتية لغاندي للمرة الثانية ... استمتع بمصاحبة هؤلاء البشر و لو في كتاب .. و دائما تكون القراءة الثانية لنفس الكتاب افضل كثيرا من القراءة الأولي ... تكرر معي هذا الاحساس عدة مرات في عدة اعمال تاريخية و ادبية و هذه المرة ظهرت لي من بين السطور تلك المقولة للرجل و التي لا اعرف كيف لم الاحظها في القراءة الاولي و مرت مرور الكرام رغم اهميتها الشديدة
يقول غاندي : يجب أن نميز بين المرء و اعماله , ففي حين يستوجب العمل الصالح الاستحسان و العمل السييء الازدراء , دائما ما يستحق صاحب تلك الاعمال – سواء الصالحة أو الشريرة – الاحترام او الشفقة . فمع سهولة استيعاب القاعدة السلوكية التي تقول : ابغض الخطيئة و ليس مقترفها , نادرا ما نجد من يعمل بها . و ذلك السبب وراء انتشار سم الكراهية في انحاء العالم .
إن الاهيمسا " اللاعنف " هي اساس البحث عن الحقيقة . ادرك كل يوم أن البحث عن الحقيقة يكون عديم القيمة اذا لم يعتمد علي الاهيمسا كأساس له . من الطبيعي أن تقاوم نظاما ما و تهاجمه , لكن عندما تقاوم واضع ذلك النظام و تهاجمه تكون كمن يقاوم نفسه و يهاجمها . فجميعنا نحمل نفس الصفات السيئة و جميعنا خلقنا إله واحد , و لذلك فالقوي الإلهية بداخلنا مطلقة . إن ازدراء إنسان واحد يعني ازدراء تلك القوة الالهية , و من ثم فإن ذلك لا يضر ذلك الإنسان وحده بل العالم أجمع
***
ما علينا

14 comments:

Blogger Empress appy said...

اللى مش فاهماه فى شخصيتك فعلا من الحوارات اللى بتابعها ليك انك بتلتزم الصمن مع انك ليك دور
هل ده تاثير الارص والوطن ولا دي طبيعه فيك

7:02 م  
Blogger زمان الوصل said...

أجد موضوع الفصل بين الإنسان و أفعاله صعب للغايه .. إذ لماذا تحب شخصا ما أو تبغضه "بعيدا عن المشاعر العاطفيه" لو نحن نتحدّث عن مشاعرك تجاه إنسان ما ما الذى سيجعلك تحبّه أو تكرهه سوى أفعاله !! ربّما يكون المقصود -كما فهمت أنا من مقولة غاندى- أن نمنح كل إنسان فرصه فلا نكرهه للأبد بسبب فعل مسيئ ولا نحبّه للأبد بسبب فعل مقبول بل أن يكون هناك فرصه لقدر من المرونه .. و الله أعلم

9:38 م  
Blogger karakib said...

Appy

مش فاهم سؤالك ... تقصدي انهو حوار بالظبط ؟؟ اديني مثال لو سمحتي


---------

زمان الوصل

غاندي بيقول باختصار
ابغض الخطيئة و ليس مقترفها
يعني اكره السرقة مش الحرامي
اكره التحرش مش المتحرش
اكره التطرف مش المتطرف
المقولة بتقول كمان يجب أن نميز بين المرء و اعماله , ففي حين يستوجب العمل الصالح الاستحسان و العمل السييء الازدراء , دائما ما يستحق صاحب تلك الاعمال – سواء الصالحة أو الشريرة – الاحترام او الشفقة
بيتهيألي لو قريتي السيرة الذاتية بتاعته هتفهمي هو توصل لهذة الفلسفة ازاي ... مبدأ اللاعنف ده مبدأ مهم جدا جدا جدا

10:12 م  
Blogger Unknown said...

الكل يتغافل ذلك الجزء الذي اخطأ فيه و يتجاوزه و كأنه لم يحدث ابدا و يذكر اخطاء الأخر


جميل جدا

النص يحتاج الى القراءه مرات عديده

دمت بخير

11:13 م  
Blogger عالم ماريونت said...

ازيك يا هاني

دي اول مرة اعرف انك من المنصورة احسن ناس طبعا
بس انا كمنصوريةاقدر اقولك ان المنصورة اقرب حاجة للقاهرة من حيث المدنية واقرب للريف من حيث طيبة الناس والهدوء والجمال
عجبني اوي البوست ربنا يوفقك وتحياتي ليك
رنا

11:21 م  
Blogger karakib said...

يوميات نائمة في الأرياف

انا مش من المنصورة .. انا قلت انه ليا اصحاب من المنصورة بيجوا لي القاهرة
لكن انا قاهري تماما

------


محدش بيموت ناقص حلم

اتمني أن تكوني قد اعجبك النص :) شكرا للمرور و اتمني دوامه

11:31 م  
Blogger زمان الوصل said...

بس إزّاى !! ما معنى كره الفعل و عدم كره فاعله !! و ما الفعل بمعزل عن الفاعل و هل الفعل شئ مادّى يتأثّر بحبنا أو كرهنا له !! كرهنا للمخطئين قد يكون من ضمن أسباب توقّفهم عن الخطأ و حبّنا للمحسنين قد يكون سببا لرغبتهم فى الاستزاده من فعل الخيرات .. مش عارفه حاسّه النقطه دى نظريه شويه ..

11:57 م  
Blogger 77Math. said...

في حديث نبوي تقريبا كل المسلمين حافظينه بس محدش بيطبقه، زي تمامًا الحكم التي لا ينفذها أحد !

" ماكان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه"

لو وضع أحدهم نفسه مكان الآخر لحظة لتغيرت تصرفات كثيرة ولتحسنت علاقات أكثر !


هذه الكراهية بالإضافة للأنانية الناشئة على حب الذات وحسب بدون مراعاة لأيّ من المجاورين هي ما يذهب بالناس للجحيم مبكّرًا ..


تحياتي لك ..

12:47 ص  
Blogger karakib said...

زمان الوصل
كل شيء تم تطبيقة و لو نسبيا يبقي مش نظري :) و لاحظي كلمة نسبيا ... لأنه النظريه عادة مختلفة عن التطبيق .. اختلاف كبير او صغير لكن في اختلاف


----------
77Math

جزيل الشكر لأضافة هذا الحديث للتعليقات
فعلا زي ما ذكرتي
لو وضع أحدهم نفسه مكان الآخر لحظة لتغيرت تصرفات كثيرة ولتحسنت علاقات أكثر
حقيقي جدا الكلام ده

2:44 ص  
Blogger 77Math. said...

العفو

3:03 ص  
Blogger Empress appy said...

مش حوار معين يا هانى انا دايما عارفه عنك انك بتلتزم الصمت فى كتير من الخلافات مش حوار بعينه يعنى

6:09 م  
Blogger Empress appy said...

على فكره ده مش هجوم على شخصك ده اعجاب كمان بحاجه انا مش عارفه اعملها بجد لانى مبعرفض اسكت

6:09 م  
Blogger karakib said...

appy
:)) افتكرت في حاجة معينة أو موقف
عموما متشكر جدا للكلام الكبير اللي قلتيه عني ده ... متشكر بجد

6:21 م  
Blogger Blank-Socrate said...

بوست رائع
و ان كنت اراك اعمق فى الافكار و المشاعر فى بوستاتك الشخصيه اكثر من قصصك القصيرة التى اعتقد انها تحتاج الى الحبكه او العقدة او البعد الثالث بداخلها لا اعلم بصراحه و لكنها بدايه جيدة
تحياتى

3:50 م  

إرسال تعليق

<< Home