استقليت المترو الي محطة الدمرداش صباحا ... عربة السيدات ... عربتان في منتصف القطار تجلس بهم السيدات متحفزات لدخول أي ذكر ... لو سمحت يا استاذ هنا عربية السيدات ... اخرج في هدوء ... حتي الأن لم استطع ان اميز المكان الجديد للسيدات في منتصف القطار فقد كان في اولها منذ عدة شهور
ما معني أن تكون هناك عربتان مخصصتان للسيدات !؟ هل يقدم ذلك حلا لشيء ما !؟ و هل هو حل حقيقي ... ام مؤقت
من الطبيعي انك لا تحب أن يلتصق احدا بجسدك ... خصوصا في المواصلات العامه ... مساحة الامان التي لا تريد لأحد أن يدخلها من حولك ... ايا كان جنس هذا الشخص ... ذكر أو انثي كان ... من قال أن الرجال يستمتعون بالالتصاق ببعضهم البعض .. او حتي النساء !؟ الازمة الحقيقية بكل بساطة هي أن المترو مزدحم ... و ليس أن الرجال يحبون الالتصاق بالسيدات
من قال ايضا ان كل الرجال يحبون الالتصاق بالنساء !؟ ما هذا الافتراض المريض !؟ من قال ان كل الرجال ليس لديهم كرامة لأجسادهم و يحبون تحسس الغرباء من النساء !! استمع الي اغنية بجانبي خارجة من تليفون محمول ... تتسائل ليه ليه ليه !؟ ليه؟
مش شايفة ليه؟ وانا عيني مفتوحة وازاي اغني؟ وانا روحي مجروحة ... وازاي وليه؟ بناكل في بعضينا ... واحنا براح الكون ... يقضينا ... هو احنا ليه؟
قاسيين على روحنا ... وبقينا ليه؟ نضحك على جروحنا ... ضمايرنا فين؟ تاهت ملامحنا فاتت سنين ... ونسينا مين احنا ... هو احنا ليه؟
ازاي وليه؟ تبقى القلوب جاحدة والكون ياناس ارض وسما واحدة ... امتى القلوب؟ تصفى وتتهنى والغيم يدوب ... تبقى الحياة جنة
امتى براح الكون !؟ يقضينا
المشكلة ليست أن كل الرجال يحبون التحرش بالفتيات .. و لا حتي معظمهم ... المشكلة انه الدنيا زحمة و لو الدنيا فاضية لن يلتصق اي احد بالأخر و ستتوفر مساحات الامان الافتراضية لكل ركاب المواصلات ... و التي ينتج عن نقصها عنف شديد يتجسد في صورة تحرش بأنثي او معركة بالسباب بين ذكرين او انثتين اذا فصلنا بين الذكور و الاناث كحل مؤقت للازدحام فالتحرش عنف مختبيء خلف الجنس ... فلا تحاول أن تقنعني أن هذة اللمسة او الاحتكاك للحظة بأنثي يسبب أي نوع من انواع المتعة الجنسية بل هو نوع من التفريغ و الانتقام بالاضعف
***
افتح الجريدة بصعوبة وسط ازدحام الناس في المترو لأجد خبر عن مقتل الطفل اسلام طالب صغير عاقبه المدرس لأنه لم يؤدي الواجب المدرسي بالضرب حتي مات ... ينفتح باب المترو فلا يترك الصاعدون اليه اي فرصة للمغادرين أن يخرجوا ... يدخلون بكل عنف و يدفعون بالمغادرين للداخل ... احد كبار السن يقع علي الأرض و هو ينزل بسبب دفعة من احد الشباب ... فيسبه بأمه و هو ينفض الغبار عن نفسه و يقوم ... فيخرج الشاب مرة اخري من المترو و يمسك به من قميصه ... انت راجل كبير مش عايز اضربك ... فيصمت العجوز و يذهب في هدوء و نظره متوجها الي الاسفل ... يغلق باب المترو و يقف الشاب منتشيا بانتصاره من خلف الزجاج ينظر لنا ... اجد ان انفي اصبح ملتصقا بزجاج العربة بسبب الازدحام و لا استطيع التحرك و الجريدة اصبحت في حال يرثي لها
يا تري لماذا بالغ مدرس الرياضيات في ضرب الصغير اسلام !؟ ما كل هذا العنف !؟ هل قصد أن يقتله !؟ بالتأكيد لا
***
في طريق العودة الي البيت وجدت فرح يقام في شارعنا ... صوان كبير و عدة مكبرات صوت ... احاول احصاء عدد السماعات الكبيرة المرصوصة فوق بعضها عدة مرات فأفشل ... و بدأ الفرح بعدها بساعات قليلة ... موسيقي مزعجة ... تتكرر بشكل مفزع ... هي هي نفس الجملة الموسيقية ان جاز أن نقول عنها جملة موسيقية ... تقفز امامي علامة (الما لا نهاية) الرياضية التي شكلت لدي دائما تساؤل مخيف ما معني أن يكون هناك رقم لا نهائي من شيء ما !! انه شيء مفزع ... الأن هذه المكبرات الصوتية تزعجني بتكرار نفس الموسيقي الرديئة الي ما لا نهاية ... تاتا تارا ...تاتا تارا ... تاتا تارا ... اشعر أن اعصابي تتحطم منها ... اغلق شباكي جيدا ... فلا يتوقف الصوت المتسلل الي داخل الغرفة بالرغم عني
امسك بزجاجة المياه الموضوعه امامي و ابدأ في الضغط عليها بيدي ... استمتع بسماع طقطقات صوتها و هي تتهشم
فأنا عنيف رغم انفي الأن و انت ايضا عنيف