الجمعة، أغسطس 17، 2007

شغلانته يجيب الخروف و يربطه ... و احنا ندبحه

نظر لي بهدوء من خلف عجلة القيادة و انا اجلس بجانبه في طريق الرجوع و قال ... الناس مش فاهمه و اللي فاهم له حق و اللي مش فاهم ماشي ورا الكلام و احنا شغلانتنا نقنع الناس بالغلط
اصابني كلامه بالعمي السيكولوجي .. العمي السيكولوجي هو ان تري و لكنك لا تستطيع تمييز الاشياء .. ان تكون مبصرا و لكنك لا اراديا لا تستطيع تفسير اختلاط معني الذي تبصره
كان يوما طويلا .. بدأ بمكالمة تليفونية طلب مني فيها احد اصدقائي ان اقابله .. يريد ترك وظيفته و الالتحاق باخري في مجال مختلف .. وظيفته الاولي في مجال انشاء شبكات المحمول .. يقود سيارته يوميا علي الطرق السريعة ما لا يقل عن اربع ساعات ... و يجلس لساعة او اكثر فوق اسطح احد المباني مع الفنيين محاولا أن يتناسي تأثير هذة الذبذبات عليه .. يعلم جيدا انها تصيب بالعقم و السرطان و غيرها من الامراض ..يشعر أن الخطر محدقا به طوال الوقت .. كان قد طلب مني ان اسافر معه لأنه يود ان يتحدث قليلا و يستشيرني في بعض المسائل الشخصية
طوال الطريق الزراعي لم يكف عن الاشارة الي محطات و ابراج التقوية دي موبينيل .. وفودافون ملون بلونين مختلفين .. اما اتصالات فبها ما يشبه الشرفه في نهاية البرج ... و بدأ يشرح لي للمرة الرابعة او الخامسة منذ ان التحق بهذا العمل اسلوب العمل و فنياته
يذهب المفاوض .. لمالك العقار و يقنعه بعدم وجود اي اضرار لتركيب محطة التقوية علي سطح عقاره نهائيا و أن كل ما يقال هو محض افتراءات و اشاعات لا اساس لها من الصحه
بل توجد مميزات ... هناك ايجار سنوي جيد . فيوافق صاحب العقار او لا يوافق تبعا لحنكة المفاوض و احتياج الرجل للمال
ابتسم بحسرة ... و هو ينظر في المرآة الي وجهي و قال
المفاوض ده شغلانته يجيب الخروف و يربطه ... و احنا ندبحه
توقف العمل علي سطح العقار الذي توجهنا اليه يومها لأعتراض احد سكان العقار لمعرفته المسبقه باخطار هذه المحطات ... فلم يخفي صديقي سعادته لأن العمل توقف
و انني وافقته علي انه يجب ان يترك هذا العمل
عندما وصلت للبيت وقفت اتأمل احد محطات التقوية فوق سطح احد المنازل المجاورة
لتتردد هذة المقولة في رأسي كثيرا و افشل في طردها
الناس مش فاهمه و اللي فاهم له حق و اللي مش فاهم ماشي ورا الكلام و احنا شغلانتنا نقنع الناس بالغلط
هو بيجيب الخروف و يربطه .. و احنا ندبحه
و احنا ندبحه

ندبحه

الجمعة، أغسطس 03، 2007

جوائز السماء

خرجت صباحا .. كان لدي بعض المشاوير من تلك التي تضطر ان تقف فيها في طوابير متكررة كثيرة امام احد الموظفين لكي ينهي شربه الشاي و البقسماط او حتي سندويتشات الفول ... يبدأ عمله فعليا الساعة العاشرة صباحا و ينهيه بعدها بساعتين ... و للحق فالطابور يطول رأسيا و عرضيا كأختراع مصري صميم
تماما مثل عداد التاكسي الذي استقليته صباحا .. لا فائدة له الا ان يصطدم بركبتي
و ورقة الدمغه المكتوب عليها جنيه و تباع باثنين ... تحولت هذة الاشياء من رموز للنظام الي رموز للهرجلة و العشوائية .. و اصبح الجميع يتعاملون معها كقدر محتوم .. شيء عادي ان يكون هناك طابوران علي نفس الشباك و ان ينشأ الثالث .. كطابور نسائي ... عادي
في اليوم السابق بعد حديث طويل عن انطون بافلوفيتش تشيكوف امير الرواية الروسي مع احد الاصدقاء .. علمت منه ان هناك مكتبة تبيع مؤلفاته الكاملة في اربعة مجلدات بثمن رخيص ... فلم استطع مقاومة هوايتي في اقتناء تلك الكنوز الرخيصه الغاليه ... خرجت بعد ان انهيت ما كان علي فعله الي العنوان الذي اعطاه لي صديقي فاذ بي افاجأ بانه محل كبير و واسع لبيع جميع انواع التليفونات المحمولة المستعملة و الجديدة
فقررت الدخول بما اني وصلت للعنوان السليم .. بداخل المحل وجدت في ابعد ركن باب زجاجي مترب عسلي اللون تسنده مطفئة حريق حمراء كبيرة من الداخل ... و من فوقه لوحة صغيرة .. المكتبة
دفعت الباب بهدوء لكي لا تسقط المطفئه علي الارض و دخلت ... كل الكتب متربة .. بدا لي انني دخلت الي كهف قديم .. لم يتم تبييضه أو تكييفه بالهواء البارد كباقي المحل و انما طلي بجير اصفر كئيب اللون ...وجدت فتاة يبدو عليها الملل من اثر طول الانتظار بلا عمل بدأت في البحث عن ما اتيت له و وجدته بسهوله
ثلاث مجلدات بهم اعمال لتشيكوف بتجليد فاخر قل ما تجده ... بسبعة جنيهات للجزء !! وجدت الجزء الثاني و الثالث و الرابع ... اما الاول فغير موجود .. سألتها هل الثمن المكتوب حقيقي .. فاومأت برأسها بابتسامه و كأنها تقول لي ... شفت بقي !؟ اعطيتها عشرين جنيه فقالت لي خلاص كده ... صفقه رابحة جدا ثلاث مجلدات لأمير الرواية الروسي بعشرين جنيه فقط ... اكاد اجزم انها احدي جوائز السماء ان اجد مثل تلك المكتبة
لو كنت بحثت عن ما يماثلهم في احدي مكتبات طلعت حرب لكنت وجدت الجزء الواحد لا يقل عن خمسين جنيه
اخذتهم و خرجت و انا في منتهي السعادة
فتحت الجزء الرابع و بدأت اقرأ عن حياة تشيكوف و عن حديقته الصغيره امام منزله و اعتزازه بها .. كان يقول لكل من يزوره

كانت هذة الحديقة مليئة بالاشواك و الصخور و الاتربة قبل أن آتي ... كل شجرة هنا زرعتها بنفسي .. و يصمت لبرهه و يخبر محدثه و هو مبتسم ممتليء بالامل انه بعد 300 عام سيصبح كوكب الارض كله مثل تلك الحديقة مليء بالاشجار المثمرة بالفواكه و الطيور المغردة
قفز الي ذهني مقولة للرائع الراحل رحمه الله عبد الوهاب مطاوع صاحب المساحات الخضراء الجميلة في بريد الاهرام و المؤلفات الحزينة الشفافه اذا كان الكاتب يحب الناس ..(بضم الياء) سيحب الناس كتاباته (بفتح الياء) الان اعلم لما احب الناس تشيكوف بهذا الشكل فقد كان يحب البشر كلهم و يتمني لهم افضل الاشياء لذا بادلوه الاحساس
هكذا ايضا قال السيد المسيح في احدي وصاياه
وصية جديدة انا اعطيكم ان تحبوا بعضكم بعضا .كما احببتكم انا تحبون انتم ايضا بعضكم بعضا

بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعض لبعض


statistique