الثلاثاء، يناير 15، 2008

بتر

سيفعلها اليوم و لن يمنعه احدا ... لن يستطيع ان يقف احدا في طريقه .. منذ عدة اشهر و في يوم العيد تحديدا كان يلهو مع اخيه ... فوق رصيف مترو الانفاق ... كان يتمتع بقوة بدنيه كبيرة تجعله يدفع بأي احد دفعة خفيفة بكتفه ليقع علي الارض ... يومها حاول ان يلهو مع اخيه الكبير بأن يدفعه دفعة خفيفة .. فأنزلقت قدماه فوق الرصيف و وقع تحت عجلات القطار ... ليبتر القطار قدميه دون رحمة ويهرسهم تحت عجلاته الحديديه غاشمة القوي ... لم يفق الا بعدها بساعات ... قالوا له أنه جلس لدقائق دون أن يصرخ يتأمل في ذهول قدميه الاثنين و هم مبتورتين امامه ... ثم فقد الوعي بعدها ... لم يكن يدرك قبل ذلك انه من الممكن ان يحضر جنازة نفسه .. او جزء من جسده و هو حي ... فبعد أن أتت سيارة الاسعاف ... و تم اسعافه سريعا لانقاذ حياته ... ذهب مع عائلته بعد أن تم تقفيل محضر الحادثه ... قضاء و قدر ... ذهب معهم لدفن جزء من جسده .. اقدامه ... ذهب و احدهم يدفعه علي كرسي متحرك بعجلتين ... حاول في البداية ان يقنع نفسه بان يعتبره جزء من جسده و لكنه لم يستطع فبمجرد تلمس هذا الكرسي المعدني البارد ... ينخلع قلبه و يتذكر كل ما حدث له .. جسده الفتي القوي ... لم يتم تلاوة أي صلاة علي اقدامه و هي تدفن ... صرخ فيهم ... و هل ماتت اقدامي منتحرة !؟ و هل كانت اقدامي كافرة لكي لا يصلي عليها ... انتابته يومها افكار مسمومة كثيرة و هذي بكلمات غير قليلة ... في أي جزء من الجسد يسكن الايمان !؟ ... كانت هذه هي الجملة الوحيدة التي استطاع اخاه و المحيطين به ان يفهموها من كل ما يقول


اليوم بعد شهور ثقيلة طويلة مرت عليه ... قرر أن يفعلها


رأي بعض الاطفال يلهون بجانب طريق القطار ... رأي احدهم يدفع بكتفه صديقه ليقع علي الأرض ... رأي ابتسامات بريئة لأطفال ... فنادي علي احدهم و اعطاه ورقة مالية كبيرة ... قبله في جبهته و قال له ... اذهب انت و اصدقائك ... اشتروا لأنفسكم حلوي ... و لا تعودوا هنا مرة اخري ... اخذها الطفل متأملا الكرسي ذو العجلات الغريب في دهشة ممزوجة بابتسامة حقيقية ... و انطلق هو و اصدقائه
قال له رجل كبير السن ذات يوم
عارف يابني .. طولة العمر ... لما واحد يقول لك ربنا يديك طولة العمر ... مش معناها انك تعيش كتير
لأ يا بني طولة العمر هي أنك بعد ما تموت ... هاتشوف كل الناس بتقول عليك ايه لحد ما يدفنوك
يابني لما تموت كل اللي بيتقال عليك هاتسمعه من الناس اللي حواليك .. هي دي طولة العمر
تذكر هذه الكلمات ... و ابتسم ... و قال لنفسه ... هل من الممكن أن يبتسم احد قبل ان يقدم علي فعلة مثل هذه !؟
و لكنه عزي نفسه بانه طوال الوقت كان غريبا ... لم يكن يفهمه احد ... و لكنه كان يفهمهم جميعا
و أنه اخيرا سيتم جمع شتات جسده و لو في مكان واحد ... و لو كان تحت التراب
علم أن في هذا المكان يمر العديد من القطارات ... طريق منحني لا يستطيع سائق القطارمنه ان يري المارين فيهرسهم ... يقتلهم ... او يمزقه هو اشلاء كما فعل القطار الاخر باقدامه
مر بهذه التجربه من قبل جزء من جسده ... و ذهب ليدفنه و اليوم ... لن يمنعه احدا من ان يدفن الجزء الباقي .. فالموت بالتأكيد ليس مؤلما ... مثل البتر
و سيحضر جنازته بنفسه ... فقد قال له رجل كبير السن ذات يوم
عارف يابني .. طولة العمر ... لما واحد يقول لك ربنا يديك طولة العمر... مش معناها انك تعيش كتير
لأ يا بني طولة العمر هي أنك بعد ما تموت ... هاتشوف كل الناس بتقول عليك ايه لحد ما يدفنوك
يابني لما تموت كل اللي بيتقال عليك هاتسمعه من الناس اللي حواليك .. هي دي طولة العمر
كان يرهف السمع كثيرا في الفترة الاخيرة ليستمع الي ما يقال عنه من همهمات متحسرة بصوت خفيض و لكنه لم يكن يستمع الي أي شيء ... كان يري ابتسامات عصبية علي وجوه الزوار من الاقارب و الاصدقاء ... ابتسامات مشفقة ... ابتسامات من يؤدون واجبا ثقيلا ... ابتسامات اقرب ما تكون الي البكاء
اليوم ... سيجعلهم يطلقون دموعهم يجهشون في البكاء الذي لم يعد يملك ترفه ... بلا ابتسامات الخجل و الواجب ... وسيستمع اليهم ... و هم يذكرونه ... بالخير او حتي بالشر لا فارق ابدا
-------
للحظات شعر بأن الأرض تهتز من تحت عجلات كرسيه المتحرك ... و اتبع ذلك صوت القطار القادم ... عندما نظر اليه ... لم يكن خائفا ... و لكنه حرك يديه فوق العجلات الكاوتشوكيه المبللة ... دفع نفسه بعيدا عن القطار ... و مر من امامه دون أن يقتله ... ظل يتأمله في سكينة و هو يمر.. و عندما عاد الطفل الصغير ... اعطاه قطعة شيكولاته و هو يبتسم له .. و يتأمل كرسيه المعدني باعجاب
-----
تمت


24 comments:

Blogger simple girl.. ..simple dream said...

ازيك يا هانى
اول مرة اجى عندك
القصة عجبنى فيها اسلوبك وسردك السلس الجذاب
بس هى فيها سواد شديد
وكويس انه مانتحرش فى الاخر
لان كدة النهاية هتكون بتسد اى طريق للامل
بس اجمالا انت اسلوبك هايل

8:18 م  
Blogger بنت القمر said...

هو احنا لسه ها نقعد نسمع بيقوولوا اي علينا بعد ما نموت ما كفايه سمعنا منهم كتير اوي يحلوا عنا بقا ويسيبونا نرتاح في تربتنا
بس بجد
هو ليه رمي نفسه جنب القطر يعني ادايق من نظرات الزوار و وشفقتهم ولا عشان كان عاوز يجرب يسمع الناس ها تقول عليه ايه وما قدرش يكمل
مش فاهمه
بجد معلش بقا فهمي علي ادي
ولا اخدها شروة علي بعضها واسكت
تحياتي

8:25 م  
Blogger ... said...

أكره قصص العجز رغم اني اكتبها
هو سواد أدرك تماما انك تكون مدفوع له لحظة الكتابة
العجز والفقد والقيد يقتلوني

فكرتك وقصتك وسردك جميل

لكن أيعني هذا ألا أدعو لأحد بطولة العمر
‏?‏

9:09 م  
Blogger يا مراكبي said...

أولا .. متشكر جدا على إن النهاية لم تكن سوداوة كبدن القصة

ثانيا .. أنا بجد جالي إحساس إن مش أي عمر طويل بيكون مجدي أو ممتع .. زي الحالة دي هنا

بالنسبة للسرد .. كان ممكن تختصر شوية في النص في وسطة كده وتتنقل على الجزء الأخير على طول .. لكن غير كده .. بجد أحييك

12:14 ص  
Anonymous غير معرف said...

مرعب
فعلا نص مرعب ويدعو إلى التأمل
هل الأنسان لابد له من حاله فقد فعليه لجزء من أعضائه ليري حقيقة هذه الدنيا؟
نري من حولنا من يملك كامل جسذه ولكنه أكثر عجزا من هذا الرجل فهو لا يسمع ولا يعقل ولا يفكر
تحياتي

10:29 ص  
Blogger Ahmad Hegab said...

انا شايف ان القصة واقعية و ليست سوداء ووصفك لموقف الاقارب و ابتسامتهم اكثر من رائع
استمر

10:45 ص  
Blogger خمسة فضفضة said...

حلوه القصه وكويس انه مانهاش حياه بالانتحار علشان ماتبقاش سودا اوي حتي في النهاية

بالرغم من اني لم اكن لالوم عليه لو كان انتحر ،لان فعلا نظرات الشفقه ومصمصة الشفايف في حسره يمكن ان تذبح بسكين بارد و تقتل الف مره اقوي من عجلات اضخم قطار في الدنيا

بالنسبه لطولة العمر ،مش دايما بيبقي حاجه حلوه ان الواحد يعيش كتير ربنا جل وعلي سماه ارذل العمر ، و مش حاجه حلوه ان الواحد يفضل عايش عمر طويل يفقد خلاله احبائه واهله ويسلمهم واحد تلو الآخر للقبر

7:51 م  
Blogger Moon-baby said...

ازيك ياهاني :)
انا قولت بعد الغياب ده اكيد هتيجي بحاجة جامدة.

اولا السرد جميل..حلو الفلاش باك.
الجو مظلم و لكن بدخول الاطفال ابتدى يبقي مضيء شوية

نيجي بقى للتفسير ..مش عارفة ابص من انهي زاوية..بس هحاول...هو كان عنده ثقة بنفسه زيادة عن اللزوم..و برغم علمه ان اخاه اكبر منه حجما،قرر ان يدفعه ولكن النتيجة كانت عكسية..ساعات بنخش في تجارب اكبر مننا واثقين اوي من قدراتنا..بنتوهم و في الاخر بنخسر حاجات(زي ما هو فقد قدميه) و بنكسب حاجات تانية(مثل اكتسابه القدرة على ان يفهمهم جميعا)..لازم يبقى فيه تمن ..فاذداد عمقا و خبرة...قرأ الشفقة في اعينهم و ابتسامات الواجب.

واخيرا،نظرية طولة العمر دي غريبة..اهه و انت مكرر كلام الرجل كبير السن مرتين..هل التكرار قصد منك؟..و احييك على النهايه الي فيها امل على غير العادة.

معلش طولت عليك..ربنا معاك في الامتحانات..هانت!!

11:48 م  
Blogger Carol said...

طبعا القصة حلوة و غريبة
عجبتني .. شدتني
مش عارفة اى جزء شدني.. كلها حلوة
======================
لكنني أتسأل ليه كل اللي بتكتبه في أخر فترة يميل الى العنف و الغضب
!!
ده شعوري مش عارفة صح و لا غلط

1:28 ص  
Anonymous غير معرف said...

مع مسحة الحزن والكآبة التى تخيم على المشهد كله ..

الا انها دعوة للتأمل العميق ..

لهذا فان انسانيتنا ينقصها الكثير حتى نعيش فى النهاية ( وهذا تصور مثالى ) بأرواحنا .. فلا ننظر يشفقة مرة ثانية .. وتحتضن من نخاف الاقتراب منه

آسف للإطالة

11:16 ص  
Blogger karakib said...

simple girl.. ..simple dream
اجمالا انت اللي نورتيني و اتمني ما تكونش اخر مرة
السواد احيانا يكون جميل
و الالم هو اكبر معلم للبشرية


بنت القمر
انا اقدر برضه اقول لك اسكتي و خديها شروة
هو اليأس استحالة يكون له سبب واحد
لكن هنا ركزت سببين ... احدهم فانتازيا و انه هيسمع الناس بتقول عليه
و التاني انه يأس من انه يعيش مبتور كده
و في النهايه ... اسباب اليأس بتروح لأنه غريزة البقاء حركته

1:01 م  
Blogger karakib said...

بثينــــــة

علي حسب تقصدي ايه ... بدعائك لطول العمر
القصة كتبتها علي خلفية مشهد رأيته في مترو الانفاق مش سواد او حزن شخصي و لا حاجه الحمدلله



يا مراكبي

طول السرد و اني اكرر جمل معينه علشان اعمل حالة من اليأس للقاريء كنت قاصد اني اكرر جمل معينه
لتصل بالقاريء الي احساس المبتور

هاقول لك حاجه يا بشمهندس
انا كتبتها وسط امتحاناتي و في الوقت ده بابقي مش فاضي العب اوي
بس قلت لنفسي ممكن انهيها نهايتين
و اخلي اللي بيقرا يختار ايهما اجمل من حيث انها نص ادبي اكيد
بس ما كانش في وقت :)

1:05 م  
Blogger karakib said...

Basma
مش كل من له اذنان للسمع يسمع
و مش كل من له عينان للبصر يبصر
كلامك حقيقي فعلا
ايه اخبار العروسة يا بسمة ؟؟ :) هههه




ahmEd_H

يا باشا زيارتك هي اللي شيء رائع بجد
نورتني و مبسوط انها عجبتك

1:07 م  
Blogger karakib said...

خمسة فضفضة

افهم من كلامك انك عايزة تموتي قبل حبايبك ؟؟ ان كان أه
يبقي تفكيرك رومانسي بجد


Moon-baby
مااااااااري :) وحشاني جدا علي فكرة
تكرار الكلام مقصود ... بيثبت الحالة
علي فكرة القصة مش كلها تأليف
جزء منها اني شفت واحد في المترو بيهزر مع اخوه ووقع تحت العجل و رجليه اتقطعت فعلا

1:10 م  
Blogger karakib said...

Carol
مبسوط انها عجبتك
بس انا مش شايف زي ما انت شايفه انه كلامي كله يميل الي العنف او الغضب نهائي
دي قصة علي خلفية مشهد حقيقي في حياتي شفته و مديت خيوط الخيال علشان اشوف الشاب ده ممكن يعيش ازاي فكتبت القصة دي
لم يعد احدنا يمتلك ترف الغضب يا عزيزتي
اما العنف .. فبيتهيألي انك تعرفيني كويس باتجنبه تماما طول الوقت
حتي لو كان مطلوب احيانا لكن بيكون خيار غالبا غير متاح لدي و ان مارسته فلا امارسه علي احد الا نفسي

Sherif
التأمل ... كلامك حلو و لم تطيل التعليق و لا حاجة .. ده قصير عالاخر يا راجل
شرفت مكانك يا شريف

1:16 م  
Blogger MAKSOFA said...

التحدي طريق الوصول
==============
أشكرك ياهاني

1:55 ص  
Blogger Hypatia said...

التعايش مع البتر محتاج قوه
والانتحار محتاج قوه
وهو حاله كحال اغلبيه الناس
ضعيف
مقدرش ينتحر ومش حيقدر يتعايش بنفسيه سليمه مع البتر

هانى ازيك

10:42 ص  
Blogger Blank-Socrate said...

فى ناس اتبرت ايديهم
و ناس اتبرت قلوبهم
انا اتزلزت لما قلبى اتبتر
لكن لما اتزلزت وقعت من مكان عالى فى الوحل و عرفت انى كنت فى المكان الغلك
و علوى كان فوق الوحل
انا لسه باحاول اخرج من الوحل
على الاقل انا عرفتى فين الطريق الصح
لكن قلبى المبتور معطلنى

5:42 م  
Blogger smraa alnil said...

كنت خايفة لينهي حياته بنفس الطريقة اللي قدنيه انتها بيها
ودة معناه ان قصتك شدتني اوي وعشتها جدا

عارف

قصتك غيرت مفهومي عن طولة العمر

2:29 م  
Blogger VioLotus said...

This is the greatest so far, and the best ending ever

ps. i'm the alien girl u talked to b4 =)

5:27 م  
Blogger DantY ElMasrY said...

كنت اتمنى لو انتحر بطلك
فعدم انتحاره لن يصدم القارىء وسيجعله ينتهى من القصة مرتاح الضمير
لكن يبدو انك تحب ابطالك وتتعاطف معهم أكثر من تعاطفك مع النص
صحيح.....حد طلعه من على شريط القطر ؟

1:09 م  
Blogger karakib said...

maksofa
العفو يا مكسوفة كان لازم ترجعي للتدوين علي فكرة


nsreen bsunee

الحمدلله كويس يا نسرين
بس هو الانتحار ممكن يكون كويس ؟

1:56 ص  
Blogger karakib said...

blank -socrate
زلزال .. و وقوع .. و بتر
تصدق كلامك خلاني اقول ليه ما خليتش عنوان التدوينه كده !


smraa alnil

بس طولة العمر له مفاهيم تانيه كتير يا انجي
تفتكري انهي فيهم انسب لينا ؟

2:00 ص  
Blogger karakib said...

violotus
طيب يا صديقتي الفضائية لماذا لا تظهرين علي المسنجر ابدا ؟؟


danty el masry

انت ذهبت ابعد من ما كنت اتخيل في تحليل النص :) انت رائع بجد

لأ مافيش حد ممكن يزق برا شريط القطر ابدا
لأنه في مكان مقطوع و مش سهل حد يعدي
هو اختار ده
و ده ما كانش نهاية
لأن كل نهاية تصلح لأن تكون بدايه
طالما في العمر بقية .. للأحلام امتدادات لا نهائيه

2:02 ص  

إرسال تعليق

<< Home