من نافذة الغرفة المطلة علي الساحة الكبيرة اتأمل هذا المبني الكبير المقابل للفندق , يلفه الغموض , لم احاول الاقتراب منه منذ اتيت , قد يكون قصرا قديما , متحف , منازل سكنية مجمعه في مبني كبير , ربما معهد للدراسات او حتي فندقا اخر .
لا اعرف لماذا لم اقترب منه حتي الأن !؟ استمتع بالنظر الي طرازه المعماري الفريد دون الاقتراب منه , اكتشفت كل المباني من حولي الا هذا المبني , احاول ايجاد مبرر لعدم اقترابي منه فلا اجد و لكنني مصر علي انني لن افعل حتي نهاية المؤتمر !
منذ اتيت الي هنا و انا اعرف ان شارع ممارسات الجنس التجاري خلف الفندق و لا يحتاج الا لعشرة دقائق او اقل مشيا لكي اصل اليه , كنت اعرف انني سأري شيئا مختلفا هذه المرة , فهن يعرضن اجسادهن في فتارين زجاجية , بعضها مغلق من الداخل بستارة و هذا يعني أن الحبيسة خلف الزجاج مشغولة , و بعضها مفتوح , ترقص من خلفه فتاة و هذا يعني انها تنتظر ان يؤجر جسدها احدهم ليقذف به حمم شهوته و يذهب , في باريس كان الأمر مختلفا , فقد كانت ممارسات الجنس التجاري يقفن في الشارع المخصص لهن بلا فتارين زجاجية كتلك التي هنا , و في شوارع القاهرة يمكن ان تتعرف عليهن في اماكن معينة , كلهن اتفقن علي انهن لا يرتدين الحلي , بلا اقراط و لا خواتم , قال لي صديق مرة انهن يقفن في شوارع خالية من المارة مظلمة و هذا يجعلهن عرضة للسرقة دائما , لذا فهن لا يلبسن الحلي في شوارع القاهرة . التعامل مع احد من خلف الزجاج شيء يفقدك التواصل الانساني تماما , كل من اضطر للجلوس خلف الزجاج في احدي السفارات لكي يستخرج فيزا او تعامل مع امن احدي الشركات الكبري , يعرف ما معني أن يكلمك احدهم من خلف الزجاج , يرفع يده من علي زر الصوت فلا يسمعك , يخرسك بضغطة زر حتي ان لم تكن انتهيت مما تريد ان تقوله , اقلعت عن احدي اهم هواياتي منذ فترة قصيرة , الا و هي تربية العصافير , لأنني لم اعد احب النظر لتلك الطيور المذعورة و هي خلف القضبان الحديدية , كنت وقتها افكر في شراء حوض اسماك للزينة ايضا و لكني تخليت عن الفكرة فورا مع اقلاعي عن الهواية الاولي .
يقوم الزجاج بنفس الدور هنا في امستردام و في الشوارع الخلفية للمنطقة السياحية , فتيات في اجسادهن منحوتة بعتاية بالغة , وجوههم مليئة بالالوان الصناعية , اجسادهن شبه العارية تحت الاضاءة الحمراء تماثيل شمعية متقنة الصنع لبشر .
فكرت ان اطلب من احداهن ان تدخلني خلف الزجاج لألمس جسدها لأتأكد من كونها حقيقية و ليست دمية بلاستيكية جميلة من تلك التي تستخدم في عرض الملابس , دمية نسيها صاحب المحل , و الجميع يمرون من امامها يسخرون , لكنهم هنا لا يسخرون منها , انهم يضاجعون الدمي البلاستيكية !! اخبرني احد الاصدقاء هنا , أن الهولنديون لا يذهبون لتلك الشوارع الا نادرا , و ان معظم روادها من السياح , انصت السمع لكنني لم اميز سوي اللغة الانجليزية و الفرنسية و العربية اثناء تمشيتي , لم اعتاد بعد علي تمييز الحديث بالهولندية , رغم ملاحظتي انها لغة مليئة بحرف الفاء , كانت الفتيات يرقصن خلف الزجاج باستمتاع مصطنع , اثناء مروري ارسلت لي احداهن قبلة في الهواء , ابتسمت ليس لها رغم انني لم اشيح بوجهي عنها فقد ظلت عيوننا في اتصال , و لكن لأنني خجلت من وضعها هذا , لم استطع معاملتها كدمية , لم يكن الأمر مثيرا ابدا , معروف ان خلع الملابس قطعة بعد قطعة هو الشيء المثير , حتي و لو لم تخلع الجزء الأخير و تركته فسيتحقق المطلوب , سيظل الرجل يتسائل عن كنه المخبأ بالداخل و هذا هو ما يحقق تلك الفانتازيا المثيرة , اما رؤيتهن عاريات فهو اشبه بمشاهدة لوحة فنية , قد يعترف المرء بجمال تفاصيل الجسد المرسوم بداخلها و لكنه لن يثيره ابدا .
اكتب هذه التدوينة و انا انظر من النافذة من وقت لأخر الي الجميلة – امستردام – و الليل يغطيها منذ سبع ساعات انظر الي المبني المواجه للفندق من الناحية الاخري , و اتسائل هل هو قصر قديم أم متحف !؟ ربما يكون شيئا مختلفا تماما عن كل ما اتوقعه .