الثلاثاء، يونيو 16، 2009

هانيء بن سعيد و الفيل الأبيض

أتي بيدبا المشعور لدبشليم الملك في اول النهار لكي يحصل علي سيجارته الكاملة اليومية ... فوجد الملك يشعر بملل شديد و فراغ اشد ... فسأله ما بك يا سيدي الملك !؟
فقال له دبشليم .. لي فتره طويله لم اخرج من قصري لأري الرعية .. و اتمشي بينهم و اشاهدهم عن قرب ... ما رأيك يا بيدبا أن نخرج سويا من الباب الخلفي للقصر و نتنزه بين الحوانيت و البيوت ... فلم يمانع بيدبا فقد كان بدأ يحب دبشليم و يشفق عليه مما هو فيه من حزن و أسي دائمين


***
ارتدي دبشليم جاكت جلدي و نضارة ريبان سوداء كبيرة ليغطي وجهه ... و فعل مثله بيدبا بعد أن امره الملك أن يرتدي نفس الملابس ... و خرج الاثنين ... رأوا رجال ينادون علي بضاعتهم ... و رجال يجلسون علي المقاهي طوال النهار يدخنون الاراجيل ... و شاب يقف منتظرا الاتوبيس في المحطة ويرتدي كمامه علي وجهه خوفا من انفلونزا النسور ... و اخرين يلعبون في انوفهم باصابعهم و يسخرون من الشاب مرتدي الكمامة الوحيد بينهم
جلسا بينهم و انصت دبشليم الي اثنين يتحدثان
فوجد احدهم يروي روايه للأخر .. و كانت عن الفيل الابيض الذي هرب من حديقة قصره ... فاختفي النور من وجهه لأنه كان يظن انه لا احد يعلم شيء عن هروب هذا الفيل و انصت لحديثهم باهتمام

***
يحكي أن دبشليم الملك كان لديه فيل ابيض جميل ... منذ صغره ربط بسلسله حديديه بين قدميه الاماميتين لكي لا يستطيع الحركة أو الهروب ... و كبر الفيل ... لكنه لم يفكر في كسر السلسله ابدا رغم قدرته علي هذا الفعل .. لأنه حاول كثيرا و فشل في صغره
و في إحدي الأيام رأي الفيل الأبيض مدربه اصابه الوهن و العجز و كان يكرر سؤال واحد لكل من يراه ... هي الساعة كام معاك ؟
و كأنه كان يعرف أن عمره اشرف علي نهايته ... و لما توفي ... اتوا له بمدرب جديد كان يضربه كثيرا و يهينه معتمدا علي أنه لن يهرب ابدا

***
و في يوم سييء الطالع رأي الفيل الابيض مدربه الاسود ... يخون صديق له مع جاريته الجميلة تحت شجرة السنديانه ... فكره المدرب و الجارية ... و السلسله الحديدية و حاول كسرها مرة اخري اخيرة عندما ضربه المدرب ليبتعد عن السنديانه ... و نجح بالفعل
ذهل مدربه من ما حدث و وقف عاريا هو و الجارية في حديقة القصر ... و رأهم الجميع ... لأن الفيل اصدر ضجه عاليه اثناء هروبه ... كان الفيل غاضبا بشدة ... و كان دبشليم الملك يشاهد ما يحدث من نافذته و لم يتنبه الي ذهوله هو الأخر الا بعد أن لسعته السيجارة في اصابعه فألقي بها من الشرفة ... و لاحظ انها المرة الاولي التي يدخن فيها السيجارة كاملة منذ سنين طويلة ... و جري ليلحق بالفيل ... و لكنه وجده مشرعا انيابه في وجهه فتواري خوفا منه خلف اشجار الكافور ... و تسلق الاشجار و ظل يتابعه بنظرة الي أن اختفي

***

قام دبشليم الملك مع بيدبا و قد زاده ما سمعه عن انتشار رواية فيله الأبيض هما علي همه ... و في طريقهم اوقفهم العسس ... و طلب رئيسهم اثبات الشخصية ... و لما لم يجد معهم ما يثبت أنهم مواطنون في مملكة دبشليم اخذهم الي الدرك و حبسهم و قال لهم لا احد يرتدي الجاكته الجلدية و النضارة الريبان الا العسس و انهم متهمون بسرقة هذه الملابس و صادرها

***
في الدرك وجدوا رجلا في وجهه عبوس شديد ... سأله دبشليم ما بك يا هذا ... لما انت متجهم هكذا !؟
فقال له مالك و مالي !؟ ... انت ايضا يعلو وجهك العبوس ... تسألني و كأنك انت السعيد
فتدخل بيدبا المشعور في الحديث ... و قال له ... إحكي لنا حكايتك ... و سيكون خلاصك من هذه الحبسة علي يدنا إن شاء الله

***

اسمي سعيد بن هانيء ... و قد كنت سعيدا بالفعل يا سيدي ... و كنت اعمل مساعد مدرب للفيل الأبيض الذي هرب ... و كان لي جاريه احبها حبا شديدا ... و في يوم هروب الفيل الابيض وجدتها تخونني مع المدرب تحت شجرة السنديانة ... فذهل عقلي و انطفأ النور في وجهي ... و لم يعد لي عملا بعد هروب الفيل ... و لم تعد لي حبيبتي ... فقد هربت مع المدرب ... فشددت الرحال و ركبت البحر مهاجرا لكي اترك الذكريات الحزينه هنا و اري ارضا جديدة ... و انتم تعلمون أن البحر لا امان له ... هبت علينا الرياح و ارتفعت الامواج فتكسر ساري المركب و تهشمت الدفة و هلك كل الركاب وسط الامواج ... فتمسكت أنا بلوح خشبي و ظللت ثلاث ايام اصارع الامواج ... حتي وصلت الي جزيرة و كنت منهكا للغاية و لما دخلتها شربت من مياه الانهار و اكلت من ثمار الاشجار ... و في اليوم السابع وجدني بعض الرجال فأخذوني الي ملكهم ... و وجدته عبدا اسودا ... فتعجبت كثيرا كيف يملك البيض عبدا عليهم !! ... و طلب مني أن احكي له حكايتي فحكم علي بالرجوع الي بلادي بعد سماعها ... و لما اتيت هنا امسكني العسس و حاكموني بتهمة انني تعيس ... و كيف لا اكون تعيسا يا سيدي بعد كل هذا الذي حدث لي

***

بعد سويعات قليلة كان دبشليم الملك وصل الي قصره بعد أن تركه العسس و أخذ معه سعيد بن هانيء و بيدبا المشعور ... و جلس ثلاثتهم يفكرون ... اين ذهب الفيل الأبيض ... و هل هناك سبيل لرجوعه إن وجدوه

الثلاثاء، يونيو 02، 2009

بيدبا المشعور

و لما انتهي دبشليم الملك من تدخين نصف السيجارة ... القي بها من شرفته ... فمر أحد الفقراء و وجدها ... نصف سيجارة مستوردة كاملة ... التقطها الفقير و جلس يدخن بإستمتاع
كان دبشليم الملك يعاني من فراغ شديد و ملل أشد ... و لما رأي هذا الصعلوك يدخن نصف سيجارته أمر حراسه بأن يأتوا به اليه

***
ما اسمك يا هذا ؟ سأل الملك ...
فأجابه و السيجارة لازالت في يده ... اسمي بيدبا المشعور
فقال له دبشليم الملك ... أنت تدخن سيجارة الملك ... و هذا يعني أنك سرقتها ... فقل لي من هم شركائك في هذا الجرم الكبير ؟ و لما يطلقون عليك المشعور ؟
أجابه بيدبا ... أنا لم اسرق شيئا فقد مررت من تحت شرفتكم ... و وجدتها ملقاه علي الأرض فالتقطها و دخنتها اما عن نعتي بالمشعور فلهذا قصة طويلة اصابني في نهايتها مس من الجنون ... إن يأذن لي الملك أحكيها
فأجابه دبشليم الملك ... إحكي لعلنا نعفو عنك

***

يا ايها الملك الطويل العمر المديد ... في زمن ولي و فات كنت مرتاح البال سعيد و كنت أمر كل يوم بالسوق ... مثلي كمثل كل الناس بحثا عن رزقي ... فأجد الخلق يتناثرون علي الأرصفة ... بعضهم يتنزه مختالا مع اجنبيات في خريف اعمارهن ... و بعضهم ينادي علي بضاعة رديئة الصنع ... و بعضهم ينتظر تحت شرفتكم أن تلقي بنصف السيجارة لكي يدخنها ... فهو أمر معلوم أنك لا تدخن السيجارة حتي نهايتها ابدا

***

و في يوم من الأيام رأيت بعض الصبية يتعاجبون امام نافذة بها حورية لم أر جمالا كجمالها

و لكنني كنت اسعي للرزق فلم أستطع أن اقف لكي اشاهد جمالها معهم ... كانت نافذتها تشع نورا ... حتي في الأيام المشمسة
عرفت ان الصبية ينتظرون أن تشير اليهم ليقفوا بالقرب من نافذتها ... و في الايام التالية عندما يأست من البحث عن رزق فكما يعلم الملك فالاسواق في ركود و كساد منذ زمان طويل ... وقفت بجانبهم حتي اشارت الينا ... و كانت تحكي عن العصافير الملونة

***

يحكي أنه في بلاد بعيدة كانت كل العصافير لونها رمادي اللون ... و أن الجميع كانوا يعلمون أنه هناك عصافير لها الوان مختلفة جميلة ... كانوا يربونها سرا في اقفاص داخل منازلهم ... و ينكر الجميع امام الجميع أن هناك عصافير لها الوان غير الرمادية ... فقد كان الحاكم في تلك البلاد يكره العصافير الملونة ... و يحب تلك العصافير الرمادية المتشابهة الألوان و الأشكال

***

كانت تلك الحورية لها حبيب في تلك البلاد البعيدة يحب العصافير الملونة ... و يربيها علي اختلاف الوانها و لا ينكر وجودها ابدا ... و كان يحكي لها دائما عن أنه حتي الحاكم لديه في قلعته الحصينة اقفاص بها عصافير ملونة و لكنه لا يسمح ابدا بأن يطلقها في الجو

***

كان يتمني دائما أن يفتح الجميع ابواب اقفاص عصافيرهم الملونه ... و يتركوها لتطير في الجو ... لكي يثبت لكل من ينكر وجودها زيف اكاذيبه و نفاقه الرخيص ... و في لحظة جنون أخذ اقفاصه و وقف في وسط السوق الكبير ... و فتح الأبواب ... و لم يعد هناك حجة امام من انكروا وجودها ... او هكذا تصور الحبيب المخبول

***

تسابق جميع الحكماء في نفي وجود تلك العصافير الملونة ... و كانت المفارقة الكبيرة عندما حطت علي رأس الحاكم عصفورة ملونة و هو يتحدث عن زيف ادعاء وجودها ... و مرة أخري تسابق الجميع في نفي وجودها و أن ما حط علي رأسه كان عصفور رمادي ... عصفور عادي ... فلا توجد هناك عصافير ملونة ابدا ... و لكن الغضب تمكن منه فأمر بقتل كل من يدعي وجود تلك العصافير

***

عندما مررت في اليوم السابع علي نافذتها لم أجدها ... و لم أجد الصبية في الناحية الأخري منتظرين ... فلم أفهم ماذا حدث ... و بدأت اسأل اصحاب الحوانيت في السوق ... الم يكن هنا نافذة بها حورية جميلة تحكي عن العصافير و الوانها ... وكانت حلاوة حديثها تفوق جمال وجهها !؟ فسخر الجميع مني ... و نعتوني بالمشعور و قالوا لي ... لم تكن هنا نافذة ابدا ... و لا توجد عصافير ملونة في أي مكان ... فكل العصافير رمادية اللون ... يا مشعور

***

ثم صمت بيدبا المشعور و اطرق برأسه و نظر الي دبشليم و سأله ... هل توجد عصافير ملونة بالفعل يا سيدي ؟ و هنا القي دبشليم بسيجارة كاملة لبيدبا المشعور ... و أشعلها له ايضا عندما وضعها في فمه ... ثم سأله ؟ ما رأيك انت ؟ هل توجد عصافير ملونة ؟
فأخذ بيدبا المشعور نفسا طويلا من السيجارة ... ثم ابتسم و قال له ... هذا كلام به شعرة من الجنون يا ايها الملك السعيد ... فلم أري قط عصافير ملونة ... كلها لها نفس اللون الرمادي ... لعلها كانت تقصد أن للرمادي درجات مختلفة ... فابتسم دبشليم الملك و قال له ... لا داعي لأن تنتظر تحت شرفتي لكي القي لك بنصف سيجارة ... تعال الي كل يوم و سأعطيك سيجارة كاملة فقد عفونا عنك يا هذا

***

و في اثناء خروجه من القصر وجد رجال يشبهون كثيرا اولئك الصبية المنتظرين امام النافذة يعملون بهمه و نشاط كانوا يمسكون بعصافير في ايديهم و يلونون ريشاتها باللون الرمادي



statistique