الخميس، أبريل 09، 2009

روايتي الجديدة ... احنا بنعمل ايه جوا الكابانيه

عندما كانت المنافسة محتدمة علي جوائز بيزو للعام الثاني .. كنت اتابع عن قرب ما يحدث .. اقرأ التعليقات و اري الترشيحات ... و في احدي التعليقات وجدت عباس العبد يتسائل مندهشا ... هل قرأ احدكم كل تلك الروايات التي تم ترشيحها !؟ و أجابه ربيع ... أن من يستطيع اكمال احدي تلك الروايات لنهايتها ... سوف يتسامي و يتحول لفسية خفيفة الرائحة !! و لذلك لن يجيبه أحد من هؤلاء الذين انهوا قراءة بعض الروايات المرشحة ... لأنهم يحلقون في سماء الفاسيولوجي الروائية


في حقيقة الأمر كنت اقرأ هذا التعليق و انا جالسا في دورة المياه و معي اللابتوب الخاص بي
و عندها اتتني فكرة جيدة للغاية ... لماذا يتهرب الجميع من جائزة بيزو و كأنها خزي و عار لمن يحصل عليها !؟ لماذا لا يضع الفائز بها البانر في مدونته مثلما يفعل كل من يفوز بالبوبز
هل بسبب تعليق مثل الذي اطلقه ربيع !؟


بداية يجب تعريف ما هي الفسية بالظبط
الفسية ما هي الا بخار كاكا ... و لا يمكن ابدا أن نتجاهل أن هذه حقيقة علمية تم رصدها منذ ازمنة طويلة ... و عندها بدأت الفكرة تختمر في رأسي ... كتابة رواية لاستهداف تلك الجائزة البيزو في عامها الثالث
كانت فكرتي في أن اؤلف مطبوعة جديدة عنوانها ... احنا بنعمل ايه جوا الكابانيه
و لم أكن اتوقع انها ستحقق كل هذا النجاح المبهر ... ففي احدي الجلسات اخبرني شاب متعافي من الادمان ... انه بسبب روايتي الجديدة اقلع عن تدخين الحشيش هو و اصدقائه ... و اكمل حكايته و انا مندهش مما يقول ... و هذا لأنني لم اكن ادرك انني اؤلف قصص قصيرة اخلاقية التوجه
قال لي انه هو و اصدقائه كانوا يغلقون الابواب و الشبابيك جيدا اثناء تدخينهم للحشيش ... حتي لا يطير الدخان ... قالها لي بالعامية ... عامية المثقفين ... اصلنا كنا بنحب نعمل دماغ جامدة ... و لكن الأن ... هم يغلقون الشبابيك و الابواب جيدا و يعيدون قراءة روايتي المرة تلو الأخري ... و مع كل سطر تخرج الرائحة و كأنها البخار تماما ... و في النهايه ... قالها لي مرة أخري بعامية المثقفين

!احنا بسبب روايتك بقينا بنعمل دماغ خرا يا اخي
و في حفل التوقيع أتي النقاد و القراء ليناقشوا روايتي ... و اترككم مع كلمات احد النقاد و التي اسعدتني كثيرا

أسس الكاتب لمصطلح جديد في عالم الرواية ... اتجاه روائي جديد ... و هو الفاسيولوجي ... خرج كاتبنا الشاب من عوالم الغرفة الكونية حيث يكون العالم بأكمله عند اطراف الاصابع ... و الوسائط المتحولة الحديثة في كوكبنا ... حيث تتجلي كتابته في تتاليات كينونية ... تحاول تحرير الروائح من بيئتها المزاجية السياقية و الجروح الهاجسية الكلاسيكية ... و الاختلالات البنائية التي تحوي فجوات الابداعات البشرية الخرائية ... محاولة منه لأصلاح الأعطاب الصرف صحية للادباء الشبان


لم أكن أتخيل ان روايتي ستكون السبب في اقلاع بعض الشباب عن الادمان ... و انها ستتجه نحو مأسسة إتجاه روائي حديث ... الفاسيولوجيا الروائية ... سعدت كثيرا عندما سمعت عن أن بعض الشباب من المعجبين بالرواية انشأوا جروب علي الفيس بووك تحت اسم

! جروب الروائي المتفسلج

الأحد، أبريل 05، 2009

مشاهدات من نافذتي

جالسا وراء الزجاج العسلي في الدور الأرضي ... اشاهد العابرين و احتسي اكواب القهوة ... طعم الحبيبات المطهوة جيدا علي نار هادئة يتسلل الي روحي من مسام فمي ... من حول لساني تتحرك الحبيبات تاركة مفعولها ... يشبه كثيرا تأثير الانتعاش الناتج من الخمر و لكن له ميزة لا تتوفر في المشروب الأخر ... انت منتعش و في نفس الوقت متيقظ
يقف من الناحية الأخري خلف الزجاج كثير من البشر ... بغير ادراك منهم أن هناك من يراقبهم من خلف الزجاج .. في الشارع الهاديء الخالي تقريبا من العابرين في تلك الساعة المسائية يقف ولد و بنت بزيهم المدرسي ... ينظرون من حولهم ... وضع يده علي جبهتها ... و حرك خصلة من شعرها لأعلي و اقترب قليلا من وجهها .. فابتسمت له ... ابتسامة تفتح الابواب لأكثر من مجرد تحريك خصلة شعرها لأعلي ... تهدم اسوار قلعتها بنفسها ليغزو شفتيها بقبلة طويلة ... اشاهدها من خلف الزجاج العسلي و شرائح الستائر الالمونيوم التي تخفيني جيدا و تعطيهم الحرية في لحظة من اشد و اجمل لحظات التواصل الانساني
وقفت هي بعدها لتعدل من شكل شعرها الاسود في الزجاج و كأنه مرآة ... أري وجهها الرائق المنتشي و الذي روي بالعشق منذ قليل ... تعدل ملابسها ... تسحب بلوزتها لأسفل قليلا ... و تقف كأنها عارضة ازياء سيتم تصويرها الأن ... تتحرك يمينا و يسارا بخصرها و تنظر له و للمرآة في نفس الوقت ... تتأكد من أن شكلها جميل في عينيه بهذه الطريقة ... هو ايضا يراقبها متبسما... حرك شفتيه و اثار البسمة لم تختفي بعد ... رافعا حاجبيه قليلا فاردا يده للأمام قائلا ... يالا ... مالت برأسها قليلا و اومأت موافقة مادة يدها لكي يمسكها ... و ذهبا

***

أتت عصفورة صغيرة ... وقفت امام الزجاج بدون أن تراني هي الأخري ... و زقزقت زقزقة طويلة ... انهكت انفاسها من اثر تلك الزقزقة الجميلة الطويلة ... و لما لم تسمع زقزقة أي عصافير أخري من حولها ... طارت بعد أن تلاعبت بمنقارها الفضي في ريشاتها المرسومة بعناية ... رسم الهي بديع

***

دقائق مرت و لم يمر أحد ... لا زلت اضع طاقية الاخفاء علي رأسي ... اعجبتني اللعبة أكثر عندما رأيتهم أتين من بعيد ... ثلاث شباب ... ينظرون من حولهم متلفتين في خوف ... وقف اكثرهم خبرة كما يبدو علي وجهه من طمأنينة و أخرج من جيبه اوراق البفرة ... و فتحها فوق ورقة من الكارتون قطعها من كشكول كبير ... اخرج الأخر مكعب الحشيش البني من جيب سترته و اعطاه للبروفيسير ... فوضعه في فمه ضاغطا باسنانه فوقها و اخرجها سريعا محركا رأسه لهم مضيقا من نظرة عينيه و حركة شفتيه تقول
مش قلت لكم !؟
قام بعمله سريعا و اشعل سيجارته ... ثم اعطاها للثاني الذي اعطاه المكعب ... فشرب منها متلذذا ... و مررها للثالث الذي ابتعد عنهم .. فابتعد اكثر ... يبدو أنه لم يدخن الحشيشة من قبل ... تحرك سريعا اكثرهم خبرة الذي كان يتصرف و يتحرك كأنه بروفيسير يلقي محاضرته عن الفيزياء النووية ... واضعا ذراعه كاملا علي ظهر الخائف محاولا اقناعه بأن لا يخاف من تدخينها
حرك الجزء العلوي من جسده يمينا قليلا ليوقع يد البروفيسير من فوقه ... ثم اشاح بيده رافضا و تركهم و مضي ... انهوا هم سيجارتهم ... و هم يتندرون علي ما فعله ... ثم نظر البروفيسير في الزجاج قليلا ... كان احمرار عيناه كلون حبات الطماطم الطازجة ... اخرج من جيبه قطرة البريزولين و قطر في عينيه ... و رفض أن يعطي للأخر القطرة لكي يضعها بنفسه لنفسه ... قطر هو بنفسه لزميله ... و نظرا مرة اخري الي الزجاج ... كانت عيونهم بيضاء تحتوي علي نظرة فارغة تماما من أي شيء ... و شبح ابتسامة في وجوههم يطل من خلف الزجاج
ثم مضيا
***
لا زلت اجلس وراء الزجاج العسلي و رائحة البن حديث التحميص و الطحن تعبق المكان ... في منتصف الطاولة حوض الاسماك ... بالوانهم الكثيرة يمرون في مسارات كحبات الزثبق فوق شريحة الزجاج ... لا يتقابلون ... كلهم يمرون من نفس المسارات في اوقات مختلفة ... تلعب اصغر واحدة منهم في اعلي الحوض ... تقفز في الهواء ثم تعود الي المياه لتحتضن جسدها الصغير من كل جانب بالامان ... و كأنها تريد أن تغير عالمها الصغير المحاط بالزجاج ... عندما اعدت النظر مرة اخري الي الشارع ... وجدت اطفال كثيرة تجري وراء كرة ... يبدو انني سرحت كثيرا في ما كانت تفعله السمكه الصغيرة البرتقاليه ... لقد كانوا يلعبون مبارة كرة قدم في الشارع الهاديء ... احد السكان كان منزعج كثيرا من صوتهم ... فتح نافذته الخشبية ... و صرخ فيهم و حرك يديه يمينا و يسارا ... لم يعيره احدهم الاهتمام الا عندما خرج لهم الي الشارع متوعدا اياهم باشياء كثيرة لن يفعل ايا منها ... فمن هذا الذي يعاقب طفلا لأنه يمارس طفولته ... و لكنهم هربوا منه ... اختبأوا خلف السيارات ... واحد منهم امسك الكرة و اختبأ خلف سيارة متوقفة امام الرصيف المقابل لزجاجي العسلي ... و نظر اليه من خلف زجاج السيارة منتظرا ذهابه لكي يكمل اللعب ... و اختفي الرجل و بدأوا في اللعب مرة اخري بهدوء ... حتي ظهر الرجل مرة اخري ... و شاط الكرة بقدمة بشدة ناحية زجاجي ... فانكسر ... و عندها هرب الاطفال سريعا ... و ظل الرجل يسبهم ... و يصرخ فيهم مدعيا أنهم هم من كسروا زجاج غرفتي ... فلم أهتم كثيرا بصراخه ... و عندما التفت لأنظر لحوض الاسماك وجدت السمكة البرتقالية الصغيرة ما زالت تحاول أن تترك المياه و تطير
***
اليوم ... و انا جالس اقرأ الجريدة في المساء ... نظرت ناحية الزجاج المكسور ... فوجدت أن كل من يمر من الشارع ... يطل برأسه داخل الغرفة ... يتأمل محتوياتها القليلة ... و عندما يكتشف وجودي بداخلها و تتلاقي الأعين ... يحاول أن يبدو شارد النظرة ... و يمضي
الا هذا البهلول لم يمض كالأخرين وقف بملابسه الرثة قليلا امامي و لما لم اعره انتباه ... القي بحصوة صغير اتجاه حوض الاسماك ... فكسره و هرب و كان صوت ضحكاته مجلجلا ... و لم استطع أن اتبين أن كانت ضحكات فرح أم انتقام أم انتصار ... كانت ضحكة بهلول ... ضحكة غير محددة الانفعال

الجمعة، أبريل 03، 2009

كلي وجع

كان النبي الأفريقي يتوسطنا و هو يحكي عن عمليات بتر الأطراف ... اسبابها و تفاصيلها ... سألته يومها الا يزعجك أن تبتر ذراع أو قدم انسان !؟
فابتسم و هو يجيبني قائلا أنه اعتاد ذلك ... ثم أنه ضروري جدا لإنقاذ حياة المريض


***

سمعت حديثه و شردت في المنتصف عندما القي بتفصيلة غريبة يعرفها هو ... يعرف أن من بترت قدمه حديثا يشعر بها ... الشكوي من ألم في اصابع القدم أو أي جزء منها ... شكوي من الوجع في اجزاء غير موجودة ... مبتورة
يظل الجهاز العصبي لشهور طويلة ... يتعامل و كأن هذا الجزء ما زال موجودا ... يرسل اشارات للمخ ينبهه لألم يشعر به في عضو لم يعد بعد له وجود

***

أوفيليا ... حبيبتي .. قد تكونين غير مدركة حقا لشدة احتياجي اليك و لكنها الحقيقة .. إني أتألم بدونك ... فلا تكوني ضدي انت ايضا
لا تكوني كالباقين الذين خانوني ... أنت هكذا تدفعين بي الي الجنون
ماذا تريدين أن أفعل !؟ أن اتوسل اليك !؟
لم أفعل ذلك في حياتي من قبل , و لكن حسنا سيدتي ... أوفيليا .... اتوسل اليكي .. هذا لأنك تعلمين مقدار حبي لك
ماذا تقولين !؟ ... إذن اذهبي فأنا ايضا لا اريدك .. اتسمعينني !؟

!! أنا ايضا لا اريدك

***

الزمن له مفعول السحر في النسيان ... أو هكذا يقولون .. عرفت ذات مرة أن ذاكرتنا البشرية تسقط عمدا الذكريات المؤلمة ... و تحتفظ بالاحداث السعيدة ... لكي نستطيع أن نستكمل الحياة ... و لكن ماذا لو كانت الذاكرة تحتفظ ايضا بالذكريات الحزينة المؤلمة منتظرة لأي محفز لها لكي تطفو علي السطح مرة أخري !؟
الفراق ... مكتوب الفراق دائما ... إن لم يكن بالهجر ... و إن لم يكن بالخيانة ... فهو بالموت ... الفراق مكتوب علي ابناء ادم التعساء

***
أوفيليا ... اول امس سمعت ضحكة تشبه كثيرا ضحكتك ... كانت فتاة غريبة عن مدينتي ... أتت الي هنا من نفس مدينتك الجميلة تحمل بداخلها البحر ... ضحكتها كتلك التي كنت اسمعها منك صباحا فتشرق الشمس لها ... لم أتوقف عن اضحاكها بقدر ما استطعت ... لكي اسمع ضحكتها ... اقصد ضحكتك ... لكي اشبع منها ... فروحي تتوق اليها منذ ازمنة طويلة ... اضحكتها ... و شعرت بالام ما بعد البتر لضحكها
حبيبتي ... هل تعلمين أن الام البتر تعد بالنسبة لألام ما بعد البتر لا شيء ... تقريبا لا شيء يا اوفيليا
جزء مني كان ملك لكي يا اميرتي جزء مني بتر بذهابك و لكنه ما زال يؤلمني .. يوجعني ... كلي وجع يا اوفيليا ... كلي مبتور ... مبتور كلي يا حبيبتي الجميلة


statistique