فيلم لمشاهد واحد ... فقط
تشغلني هذة الايام بشكل متكرر فكرة الموت ... لكي اكون اكثر وضوحا ليس الموت نفسه ... منذ ما يزيد علي شهر كنت امشي في الشارع و انا نازل علي درج المترو ... وجدت رجلا يسقط امامي ... كان يبدو من ملامحه انه في العقد الرابع من عمره ... سقط علي الارض بعد أن نزل السلم كله ... نظرت اليه مندهشا فقد كان نزوله علي الدرج سريعا ... نشيطا ... و لكنه سقط ... وقفت انظر اليه و ملامح وجهه هادئة و لا يتنفس ... كنت اعتقد أن الموت له شهقة مثل ما يحدث في الافلام ... و لكن مات هذا الرجل بلا أي مقدمات
أتي رجال الشرطة في المترو و فتشوا جيوبه لكي يعثروا علي عنوانه ليبلغوا اهله ... وقف عميد شرطة يقول .. إنا لله و ان اليه راجعون ... إنا لله و أنا اليه راجعون ... كان يقولها في خشوع حقيقي ... في رهبة مناسبة تماما للموقف الذي لم استطيع ادراكه في لحظتها ... كل ما فكرت فيه هل كان هذا الرجل مستعدا لأن يموت علي سلالم المترو و بهذة الطريقة او حتي تخيل ذلك !؟ ... منذ اسبوعين جلست وسط مجموعة من الاصدقاء في العين السخنة ... اصدقاء من هؤلاء الذين تراهم في المصيف كل عام بحكم الجيرة ... سألني احدهم ما هو اجمل موقف حدث لك في حياتك ... فقلت له ... اول حاجة من كل حاجة ... اول مرة رحت فيها المدرسة ... اول مرة امسك فيها ايد واحدة بحبها ... اول مرة اسافر مكان جديد
ثم توجهت بالسؤال للجميع ... ما هو اصعب موقف حدث لك في حياتك ؟
فأجاب اول واحد أن تقترب من الموت ... اخبرنا انه اقترب منه مرتين ... عندما كان يغرق في البحر العام الماضي و عندما انقلبت سيارته به علي الطريق السريع بعدها بقليل ... حكي أنه رأي شريط حياته يمر أمامه بسرعة و هو ينازع و يقاوم الموت ... و هذا هو ما يشغلني بحق ... ليس الموت ... او الانتقال من عالم لأخر .. و لكن هذا الفيلم القصير ذو المشاهد السريعة ... الذي يراه المرء قبل أن يموت ... في دفاتر التدوين و تحديدا في الدفتر الرابع – نوافذ النوافذ – لجمال الغيطاني – كان يتحدث الرجل عن هذة الفكرة و كتب انه يود أن يتذكر مشاهد بعينها في حياته أثرت فيه كثيرا ... اما عني انا ... فيا تري ماذا سأري في هذا الفيلم القصير الذي لا يتعدي الثواني ... مشاهد سريعة من شريط الحياة ... المشاهد الأهم ... شيء ما كالحلم ... حكي صديقي أنه رأه مرتين و لم يستطع ان يحكي ماذا رأي لنا ... ربما هو كالحلم تماما ... نراه و لا نستطيع أن نحكيه ... لطالما تسائلت بيني و بين نفسي ... هل لي أن امتلك قدرة المونتير !؟ في فيلم الحياة الطويل ... أن اقص منه ما لا يعجبني فلا أعود اتذكره ... و يبدو لي أن المونتاج بالفعل يحدث في عقلي تمهيدا للعرض الأخير ... الذي لن يراه سوي مشاهد واحد ... أنا
يا تري ماذا سأري في هذا الفيلم ... فلنفترض أن المشهد الأول سيكون ليل داخلي ... الكاميرا و هي هنا عيني ... تركز مقتربة من عينها الواسعة العسلية ... مركز للدروس الخصوصية ... فتاة صغيرة في الصف الثالث الاعدادي ... اول من احببت ... تبتسم فتلمع عينيها ... و عندما تنظر لي يحدث قطع في المشهد الأول
المشهد الثاني ... ليل خارجي ... لقطة واسعة متوسطة ... هي و أنا نمشي في شارع شبرا احاول أنا ان ادعي البطولة في أي شيء و لا انجح في ذلك ... و اري في يدها بوستر كاظم الساهر كبيرا ... شريط في مدرسة الحب ... علمني حبك سيدتي اسوأ عادات ... علمني افتح فنجاني في الليلة الاف المرات .. و اجرب طب العطارين و اطرق باب العرافات ... علمني اخرج من بيتي ... لأمشط ارصفة الطرقات ... و اطارد وجهك في الامطار و في اضواء السيارات ... هذة الابيات من الاغنية كخلفية موسيقية للمشهد ... تقترب الكاميرا بشدة من وجهها ... ثم تذهب الي اضواء السيارات ... و يتلاشي المشهد تدريجيا ... بين اضواء السيارات التي تملأ الكادر تماما بنور أبيض و اصوات كلاكسات ... و يحدث القطع في المشهد الثاني
المشهد الثالث ... ابي يقود سيارته ... يظهر وجهه كاملا في مرآة السيارة و انا جالس في الخلف ... تجلس والدتي بجانبه و اختي بالخلف بجانبي ... ذاهبين الي مطار برج العرب ... حيث ستركب اختي الطائرة مهاجرة مع زوجها ... يشير أبي الي اختي في المرآة و يقول كلمتين لا يفهمهم كل من في السيارة ... و يصدر صوتا يبدو أنه ضحكة ... و نكتشف بعدها انه انزل دمعتين علي وجهه و انه لم يكن يضحك ... هي المرة الاولي التي اري فيها علي وجهه دمعه ... يصمت الجميع احتراما لتلك اللحظة شديدة الخصوصية ... و ينتهي المشهد بلقطة واسعة تصور السيارة من الأعلي و الطريق الأسفلتي يشق الصحراء متعرجا ... قطع
المشهد الرابع ... نهار داخلي ... الكاميرا تدور في وسط الصالة ... سيدات يتشحن بالسواد ... و رجال يجلسون بجانب باب الغرفة المغلق ... بالداخل اري من خلف الزجاج الاصفر المغبش ... خيال اشخاص يتحركون حركة سريعة الخطوات ... تفتح الباب جدتي و اثار البكاء علي وجهها ... تقول لي ... تعالي ادخل القي نظرة الوداع علي جدك ... فأرفض لأنني احب أن احتفظ بصورته في مخيلتي بوجهه و هو مبتسم ... و حي ... تصمت جدتي قليلا و تنظر الي شاردة ... ثم تدخل مرة أخري الي الغرفة و تغلق الباب ... قطع
المشهد الخامس ... ليل داخلي ... الكاميرا لازالت اما نفس باب الغرفة التي اغلقته جدتي ... الجميع يجلسون في هدوء .. و جدي يجلس علي كرسيه و في يده البايب ... يدخن و يلقي علينا أخر نكتة يعرفها ... و امامه جريدته التي رتبها بعناية بعد أن قرأها ... و زجاجة المياه و الكوب فوق فوطة صغيرة مطبقة بعنايه فوق الطاوله من خلفة
المشهد السادس ... ليل خارجي ... لقطة قريبة من الخلف ... شارع الكوربة ... امشي بجانب فتاة لها طلة عشرينية ... احاول أن امسك بيدها و اخاف من أن ترفض ذلك ... فاحتال عليها ... و اقول لها ... عارفه لما واحد بيحب واحدة اوي بيبقي نفسه يمسك ايدها ... تنظر هي الي و في قسمات وجهها ابتسامة ماكرة ... و تقول لي ... لو عايز تمسك ايدي ... امسكها ... فيرقص فلبي فرحا لذلك الوضوح ... و اقبل يديها الاثنين ... و تغرق هي في الخجل ... قطع
المشهد السابع ... ليل خارجي ... الرابعة فجرا ... شارع مليء بالاشجار و في نهايته أري خطوط الأفق يتطابق فيها البحر مع السماء ... القمر كاملا ... الكاميرا تصورني من الخلف ... انهي مكالمة من تليفوني المحمول ... و اشعر بسعادة طاغية ... فافتح صوت التليفون علي اعلي درجة و اغنية سلو ... أنظر الي أعلي فأري شهاب يشق السماء فينيرها ... امد يداي الي الأمام و كأنها امامي و ابدأ في الرقص وحيدا و كأنها معي ... و عندما تنتهي الاغنية لا الاحظ ذلك ... و اكمل رقصتي ... مع القمر ... الكاميرا تتجه الي السماء مرة اخري ... قطع عن طريق شهاب اخر يمر في السماء
المشهد الثامن ... ليل خارجي ... نفس الشارع المليء بالاشجار و في نهايته أري خطوط الأفق يتطابق فيها البحر مع السماء ... اجلس مع اصدقاء عمري ... يشكو كل منا للأخرين مشاكله ... فأخبرهم بنظريتي في الحياة ... نظرية الحتة الناقصة ... لا يوجد شيء في الكون كاملا ... الكمال لألله وحده ... كل شيء لابد له أن يكون به .. حتة ناقصة .. و مادام الوحد شايف الحتة الناقصة ... يقدر يستمتع بحياته ... لأنه عارف فين المشكلة ... و قادر يعيش معاها ... انما وقت ما تكون مش شايف الحتة الناقصة .. لازم تخاف ... لأنها ممكن تكون كبيرة أوي لدرجة انك مش قادر تشوفها ... مفيش حاجة كاملة ... و اخبرهم بمقولة فرنسيس بيكون الشهيرة ... انه صالح جدا ... صالح لدرجة أنه لا يصلح لأي شيء ... و تتجه الكاميرا نحو الامواج المتلاطمة ... قطع
هذا هو ما يشغل بالي ... تلك المشاهد التي سأراها قبل أن انتقل من عالمنا هذا الي العالم الأخر ... في رأسي مشاهد كثيرة قد تمر ببالي وقتها ... و قد لا تمر ... و لكنني لن اكتبها كلها ... فما دام للعمر بقية فللمشاهد امتدادات لا نهائيه
ثم توجهت بالسؤال للجميع ... ما هو اصعب موقف حدث لك في حياتك ؟
فأجاب اول واحد أن تقترب من الموت ... اخبرنا انه اقترب منه مرتين ... عندما كان يغرق في البحر العام الماضي و عندما انقلبت سيارته به علي الطريق السريع بعدها بقليل ... حكي أنه رأي شريط حياته يمر أمامه بسرعة و هو ينازع و يقاوم الموت ... و هذا هو ما يشغلني بحق ... ليس الموت ... او الانتقال من عالم لأخر .. و لكن هذا الفيلم القصير ذو المشاهد السريعة ... الذي يراه المرء قبل أن يموت ... في دفاتر التدوين و تحديدا في الدفتر الرابع – نوافذ النوافذ – لجمال الغيطاني – كان يتحدث الرجل عن هذة الفكرة و كتب انه يود أن يتذكر مشاهد بعينها في حياته أثرت فيه كثيرا ... اما عني انا ... فيا تري ماذا سأري في هذا الفيلم القصير الذي لا يتعدي الثواني ... مشاهد سريعة من شريط الحياة ... المشاهد الأهم ... شيء ما كالحلم ... حكي صديقي أنه رأه مرتين و لم يستطع ان يحكي ماذا رأي لنا ... ربما هو كالحلم تماما ... نراه و لا نستطيع أن نحكيه ... لطالما تسائلت بيني و بين نفسي ... هل لي أن امتلك قدرة المونتير !؟ في فيلم الحياة الطويل ... أن اقص منه ما لا يعجبني فلا أعود اتذكره ... و يبدو لي أن المونتاج بالفعل يحدث في عقلي تمهيدا للعرض الأخير ... الذي لن يراه سوي مشاهد واحد ... أنا
يا تري ماذا سأري في هذا الفيلم ... فلنفترض أن المشهد الأول سيكون ليل داخلي ... الكاميرا و هي هنا عيني ... تركز مقتربة من عينها الواسعة العسلية ... مركز للدروس الخصوصية ... فتاة صغيرة في الصف الثالث الاعدادي ... اول من احببت ... تبتسم فتلمع عينيها ... و عندما تنظر لي يحدث قطع في المشهد الأول
المشهد الثاني ... ليل خارجي ... لقطة واسعة متوسطة ... هي و أنا نمشي في شارع شبرا احاول أنا ان ادعي البطولة في أي شيء و لا انجح في ذلك ... و اري في يدها بوستر كاظم الساهر كبيرا ... شريط في مدرسة الحب ... علمني حبك سيدتي اسوأ عادات ... علمني افتح فنجاني في الليلة الاف المرات .. و اجرب طب العطارين و اطرق باب العرافات ... علمني اخرج من بيتي ... لأمشط ارصفة الطرقات ... و اطارد وجهك في الامطار و في اضواء السيارات ... هذة الابيات من الاغنية كخلفية موسيقية للمشهد ... تقترب الكاميرا بشدة من وجهها ... ثم تذهب الي اضواء السيارات ... و يتلاشي المشهد تدريجيا ... بين اضواء السيارات التي تملأ الكادر تماما بنور أبيض و اصوات كلاكسات ... و يحدث القطع في المشهد الثاني
المشهد الثالث ... ابي يقود سيارته ... يظهر وجهه كاملا في مرآة السيارة و انا جالس في الخلف ... تجلس والدتي بجانبه و اختي بالخلف بجانبي ... ذاهبين الي مطار برج العرب ... حيث ستركب اختي الطائرة مهاجرة مع زوجها ... يشير أبي الي اختي في المرآة و يقول كلمتين لا يفهمهم كل من في السيارة ... و يصدر صوتا يبدو أنه ضحكة ... و نكتشف بعدها انه انزل دمعتين علي وجهه و انه لم يكن يضحك ... هي المرة الاولي التي اري فيها علي وجهه دمعه ... يصمت الجميع احتراما لتلك اللحظة شديدة الخصوصية ... و ينتهي المشهد بلقطة واسعة تصور السيارة من الأعلي و الطريق الأسفلتي يشق الصحراء متعرجا ... قطع
المشهد الرابع ... نهار داخلي ... الكاميرا تدور في وسط الصالة ... سيدات يتشحن بالسواد ... و رجال يجلسون بجانب باب الغرفة المغلق ... بالداخل اري من خلف الزجاج الاصفر المغبش ... خيال اشخاص يتحركون حركة سريعة الخطوات ... تفتح الباب جدتي و اثار البكاء علي وجهها ... تقول لي ... تعالي ادخل القي نظرة الوداع علي جدك ... فأرفض لأنني احب أن احتفظ بصورته في مخيلتي بوجهه و هو مبتسم ... و حي ... تصمت جدتي قليلا و تنظر الي شاردة ... ثم تدخل مرة أخري الي الغرفة و تغلق الباب ... قطع
المشهد الخامس ... ليل داخلي ... الكاميرا لازالت اما نفس باب الغرفة التي اغلقته جدتي ... الجميع يجلسون في هدوء .. و جدي يجلس علي كرسيه و في يده البايب ... يدخن و يلقي علينا أخر نكتة يعرفها ... و امامه جريدته التي رتبها بعناية بعد أن قرأها ... و زجاجة المياه و الكوب فوق فوطة صغيرة مطبقة بعنايه فوق الطاوله من خلفة
المشهد السادس ... ليل خارجي ... لقطة قريبة من الخلف ... شارع الكوربة ... امشي بجانب فتاة لها طلة عشرينية ... احاول أن امسك بيدها و اخاف من أن ترفض ذلك ... فاحتال عليها ... و اقول لها ... عارفه لما واحد بيحب واحدة اوي بيبقي نفسه يمسك ايدها ... تنظر هي الي و في قسمات وجهها ابتسامة ماكرة ... و تقول لي ... لو عايز تمسك ايدي ... امسكها ... فيرقص فلبي فرحا لذلك الوضوح ... و اقبل يديها الاثنين ... و تغرق هي في الخجل ... قطع
المشهد السابع ... ليل خارجي ... الرابعة فجرا ... شارع مليء بالاشجار و في نهايته أري خطوط الأفق يتطابق فيها البحر مع السماء ... القمر كاملا ... الكاميرا تصورني من الخلف ... انهي مكالمة من تليفوني المحمول ... و اشعر بسعادة طاغية ... فافتح صوت التليفون علي اعلي درجة و اغنية سلو ... أنظر الي أعلي فأري شهاب يشق السماء فينيرها ... امد يداي الي الأمام و كأنها امامي و ابدأ في الرقص وحيدا و كأنها معي ... و عندما تنتهي الاغنية لا الاحظ ذلك ... و اكمل رقصتي ... مع القمر ... الكاميرا تتجه الي السماء مرة اخري ... قطع عن طريق شهاب اخر يمر في السماء
المشهد الثامن ... ليل خارجي ... نفس الشارع المليء بالاشجار و في نهايته أري خطوط الأفق يتطابق فيها البحر مع السماء ... اجلس مع اصدقاء عمري ... يشكو كل منا للأخرين مشاكله ... فأخبرهم بنظريتي في الحياة ... نظرية الحتة الناقصة ... لا يوجد شيء في الكون كاملا ... الكمال لألله وحده ... كل شيء لابد له أن يكون به .. حتة ناقصة .. و مادام الوحد شايف الحتة الناقصة ... يقدر يستمتع بحياته ... لأنه عارف فين المشكلة ... و قادر يعيش معاها ... انما وقت ما تكون مش شايف الحتة الناقصة .. لازم تخاف ... لأنها ممكن تكون كبيرة أوي لدرجة انك مش قادر تشوفها ... مفيش حاجة كاملة ... و اخبرهم بمقولة فرنسيس بيكون الشهيرة ... انه صالح جدا ... صالح لدرجة أنه لا يصلح لأي شيء ... و تتجه الكاميرا نحو الامواج المتلاطمة ... قطع
هذا هو ما يشغل بالي ... تلك المشاهد التي سأراها قبل أن انتقل من عالمنا هذا الي العالم الأخر ... في رأسي مشاهد كثيرة قد تمر ببالي وقتها ... و قد لا تمر ... و لكنني لن اكتبها كلها ... فما دام للعمر بقية فللمشاهد امتدادات لا نهائيه
الرسوم المصاحبة للتدوينة للمبدع رينيه ماجريت*