الأحد، نوفمبر 22، 2009

في المغرب

أن تحمل في حافظتك الجلدية ثلاث عملات مختلفة , عملتك المحلية و عملة البلد الذي انت فيه و الدولار , أن تتحدث العربية باللهجة المصرية فلا يفهمك أحد فتغير لسانك الي الفرنسية ... مع بائع الجرائد و سائقي الطاكسي , لا تتعجب فهكذا تكتب هناك ... "طاكسي" ... فيفهمك و يتفاعل معك الجميع , و من الممكن جدا أن يرافقك احدهم بأدب جم ليدلك علي مكان السوق القديم او ساحة الكاتدرائية او مسجد الحسن الثاني , كل هذا يعني أنك في المملكة المغربية .

**

الدولار , و اللغة الانجليزية هما اللغة و العملة الأكثر تفوقا في زماننا هذا , تلك الورقة الخضراء التي تسحر الجميع , طبع عليها ختم ولاية واشنطن دي سي و رسم لجورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة . كان خصمًا للإنفصاليين وقاد الثورة التحريرية التي انتهت بإعلان استقلال الولايات المتحدة بريطانيا في 4 يوليو 1776. مع انه التحق بالجيش الانجليزي في امريكا في بداية حياته !!
علي ظهر نفس العملة جملة إن جاد وي تراست
بالرغم من أن الجميع هنا يرحب بالتعامل بهذه العملة , إلا أن الانجليزية ليست لغة معروفة أو مستخدمة هنا , القليل من القليل يعرفونها , أشعر بالكثير من الامتنان لأبي و امي هنا في المغرب فهم اصحاب فكرة دخولي مدرسة فرنسية في صغري بالرغم من رفض المجتمع المصري للذكر الذي يتحدث الفرنسية , يشاع انه رجل خرع , مايص , من كان يعرف أنني سأحتاج لأستخدام تلك اللغة و الاستغناء تقريبا عن العربية في بلد عربي , في فرنسا و في عاصمتها باريس , في رحلة مع ابي , كان يبدأ هو الحديث بالانجليزية التي يجيدها فيجيبه الفرنسيين بالانجليزية , اما هنا في المغرب فلا أحد يتحدث الإنجليزية و لا العربية حتي فقط الفرنسية !!

**

الدرهم المغربي , فوقه طبعت صورة الملوك الثلاثة و من خلفهم مسجد , أتصور أنه مسجد الحسن الثاني في كازابلانكا , سألت عامل الإستقبال في الفندق أي مسجد هذا !؟
تأملني قليلا و ابتسم مندهشا , أجابني بأنه لا يعرف
منتشرة تلك الجملة فوق العديد من المباني , الله ... الوطن ... الملك , الأمر الغريب انني لم اجدها مطبوعة فوق العملة , اسجل ملاحظة أن كل العملات عليها صورة ملك أو رئيس , و شعار ديني

**

الأن أتذكر صديقي الورقي جمال الغيطاني , بالأخص كتابه القاهرة في الف عام , و دفتر التدوين السادس رن ... سامحه الله جعل عقلي ينشغل و يشتعل بقراءة المباني , المنازل , المساجد , بكتاباته و برنامجه التليفزيوني علي قناة دريم , أتأمل مأذن القاهرة القديمة و الي أي العصور تنتمي , أتمني أن ابني لنفسي منزلا بحديقة داخلية و نوافير و شبابيك ارابيسكية من الخارج , بسبب ما قرأته له , أتخيل وجهه و هو يمتقع عندما يري الابتسامة اللامبالية لموظف الاستقبال في الفندق هنا

**

العملة المحلية , الجنيه المصري , لم اعقد ابدا المقارنات بينه و بين أي عملة اخري , اخرجتها من الحافظه هي الأخري و وضعتها بجانب العملتين الأخرتين , كل اوراق النقود المصرية لها وجهان فرعوني و اسلامي , قرأت في كتاب الوطنية المصرية للراحل الدكتور احمد عبد الله رزة أن مأذن المساجد و منارات الكنائس إختراع مصري صميم , بديلا للمسلات الفرعونية , طراز معماري أخذه العالم كله مننا , تري ماذا يمكن أن يأخذ العالم منا الأن !!؟ الأمر الرائع الأخر أن العملة المصرية لا توجد عليها صورة لأي حاكم .

**

مستقلا الطائرة في طريق الذهاب , سألني رجل هل من الممكن أن يجلس في مكان من الاماكن الفارغة بجواري , فأومأت برأسي موافقا , أتي رجل اخر يبدو انه علي سابق معرفة بالأول و جلس بجانبه , كان الأحدث
في الجلوس مرتابا و يتحدث بصوت منخفض للغاية , صديقه يبتسم لي كثيرا كلما التقت اعيننا محاولا هو
مشاهدة السحب من النافذة الملاصقة لي , وضعت السماعة علي اذني و بحثت في قنوات البث عن ام كلثوم , هي الأنسب في رحلة طويلة من ستة ساعات , هي الأمتع في المسافات الطويلة و الوحدة خصوصا و أنني كنت افتقد لأي صحبة بشرية , هكذا هي ام كلثوم تؤنس وحدتك , عكس فيروز و اغانيها القصيرة الجميلة المناسبة للمسافات القصيرة , صوتها يذكرني بالصحبة فيزيدني اغترابا , يضاعف الوحشة في ظروف كهذه

**

لم يتوقف صاحب الصوت الخفيض من اختلاس النظرات الخائفة الي , لمحته و انا اطلب من المضيف كوب من القهوة , استثار كل ذرة فضول بداخلي لمعرفة ما يقول , خفضت صوت ام كلثوم حتي صمتت و لم أخلع السماعات , أنصت السمع , يتحدث عن كتب و اسماء كتابها , يخبر الجالس بجانبي أنهم اصدقاء شخصيين, التقت اعيننا مرة اخري للحيظات , فأشار بأصبعه لي , خلعت السماعات و ادرت وجهي بالكامل اليه , امعنت النظر في وجهه فلاحظت أن لحيته غير مشذبة , سألني , حضرتك مصري !؟ فأجبته بالايجاب , ضيق عيناه قليلا و سألني , ما تأخذنيش في الكلام يعني , انت غير مسلم , قلت له تقصد مسيحي !؟ قال لي أه قصدي نصراني .
قلت له أه أنا مسيحي , ابتسم لي بعصبية واضحة و نظر الي الجهة الأخري , لم تمر دقائق حتي قام هو و صديقه و جلسا في مكان أخر .

**

أيقظني من نومي الرجل الأخر الحليق بعدها بحوالي ساعة , سألني لما أنا متوجه الي المغرب !؟ قلت له لحضور مؤتمر , فأتسعت عيناه , و سألني مؤتمر حوار الأديان !؟
جاهدت كثيرا لكي أتذكر هل قرأت في الصحافة قريبا أي شيء عن مؤتمر مشابه فلم تسعفني الذاكرة , فسألته هل هذا هو سبب توجهه الي المغرب !؟ فأجاب بالأيجاب , و صمتنا

**

كسر حدة الصمت سؤاله , أنت كاتوليك ؟ قلت له افضل أن تعتبرني مسيحيا فقط , فأصر علي تكرار السؤال , اذا انت كاثوليكي , قلت له ارثوذكسي , ثم كررتها مرة أخري افضل أن تعتبرني مسيحيا .
لم يكف عن تعريفي في حديثه طوال الوقت بالارثوذكسي المستنير , و لما سألني عما يتحدث مؤتمري , قلت له مؤتمر عن حقوق الانسان , هز رأسه و ازدرد ريقه بصوت عالي , ثم صمت , الصمت الأخير المريح لي و له , فلم نكن نتحدث نفس اللغة بالرغم من استخدامنا لنفس المفردات اللغوية .

**

في منتصف الليل تماما وصلت الي مطار الدار البيضاء – كازابلانكا , لما اعطيت جواز سفري للضابط المغربي سألني إنت مصري !؟ قلت له نعم , سؤال غريب بالأخص و أن اثبات شخصيتي المصري في يده , اتضحت الأمور تدريجيا بعد ذلك , نظر الي حقيبتي بطرف عينه و اكمل سؤاله ... معاك معسل !؟ أجبته بأنني لا أدخن الشيشة
هكذا اذا يعرفون المصري هناك !! يعرفوننا بالمعسل , بالتأكيد شارك الكثيرين في تأكيد هذا الربط الغريب بين المصري و المعسل في مطار محمد الخامس
كانت درجة الحرارة باردة للغاية بالخارج و الهواء نظيفا , يشبه هواء مدينة الاسكندرية , سألت سائق التاكسي هل الطريق الي المحيط بعيد عن فندقي , فلم يفهم لهجتي العربية , و لما كلمته بالفرنسية , اجابني لمدة نصف ساعة , طوال طريق الذهاب و لم افهم كلمه مما قاله بالفرنسية او العربية !!
**

كم هي جميلة عيون المغربيات السوداء الكحيلة , كم هن جذابات , بعد تمشية طويلة علي المحيط في الصباح خانتني رجلي اليسري كعادتها , جلست علي مقهي امام الاطلسي , اتذكر قريب لي يتمتع بقدر لانهائي من القدرة علي اطلاق الاكاذيب ... فاذا جلس علي شاطي الاسكندرية اكد لنا انه يري ايطاليا من مكانه هذا , و اذا جلس علي شاطيء البحر الأحمر يمكنه أن يري السعودية , يا تري ماذا يمكنه أن يري من خلف الأمواج هنا , بالتأكيد كان سيري اسبانيا , أو ربما بالغ و رأي أمريكا او كندا , أو شطح حتي مثلث برمودا

**


اشاهدهن يمررن امامي , بعضهن بصحبة شباب , لا حرج هنا في أن يحتضن شاب فتاته في الشارع , كمصري أري هذا غريبا , قبل اسابيع من سفري اخبرتني صديقه في ضيق أنه لكي يقبل شاب حبيبته عليهم أن يبحثوا عن مكان أمن لمدة لا تقل عن ساعتين , اما لكي يلكم شاب أخر فالأمر مقبول , أو أن يتبول في عرض الطريق فالأمر ايضا لا يلاقي أي امتعاض , أن يصفع حتي زوجته في ميدان التحرير فالأمر مستحسن و لن يتدخل أحد , قالت لي ... اصل كده يبقي راجل حمش


**

(سير بحالاتك ) تلك الكلمة شديدة الاهمية , مع الشحاتين ستحتاجها , في مصر أعرف بديلها , الله يسهلك , اقولها لأتخلص من الالحاح الشديد , اما هنا لما قلتها , فشلت فشلا ذريعا , بل و اكدت انني غريب عن البلد
كففت عن استخدامها و اعتمدت اللغة العالمية , لغة الجسد , أن اشير بأصبعي بلا , لكن الملامح الغريبة ظلت تفضحني , سائح , عربي و ربما اكون من الدول النفطية الغنية , في الحقيقة كلنا في الهم عرب , مصر ايضا مليئة بالشحاتين و اطفال الشوارع لكنني اعرف كيف يمكنني مقاومتهم , لدي القاموس اللغوي الكامل لكي ابعدهم عن طريقي
سير بحالاتك
لم اسأل موظف الاستقبال هذا السؤال خوفا من احراجه في البداية , لكن صبي ظل يلاحقنا لمدة نصف ساعة , افسد متعة المشاهدة بلجاجة سؤاله , عندها فقط سألت موظف الاستقبال ... عن تلك الكلمة السحرية التي تصرفهم

**
توجد طريقة سهله لكي تغير النظام المجتمعي , أن تكون جزءا منه , لكنك تراه فاسدا بما اتك تريد تغييره , فكيف يمكنك أن تحافظ علي نزاهتك و انت جزء من الفاسد !؟ تبدو المعادلة محيرة جدا
**
يظل تأثيرك طفيفا من الخارج , لكن الشيء الجيد في هذا انك ستحافظ علي نزاهتك , الرضا الشخصي عن النفس و تقدير الذات , لماذا اكتب هذه الافكار هنا و بعيدا عن وطني بالاف الكيلومترات !؟ لم اتوقف للحظة عن الاحساس بأنني غريب , لا يوجد هنا في الميدان مقهاي المفضل و اصدقائي , و لا في غرفة الفندق عائلتي , و لن اجد في عيون احد تلك النظرة , لماذا عدت متأخرا هكذا !؟ لا تتوقف ابدا هذه النظره بالرغم من انني اعود كل يوم في نفس الميعاد تقريبا !!
يا الله !؟ هل هذا هو الوطن ؟ و ماذا يكون الوطن إن لم يكن هؤلاء ؟ هل هو الأرض و السماء !؟ في كل مكان علي الكوكب توجد ارض و سماء , ماذا لو نقلت كل هؤلاء الاحباء الي ارض اخري !؟ الن تكون الوطن !؟
**
في صباح اليوم الأول دق هاتف الغرفة , كان علي الطرف الأخر شريف عبد العزيز , دعي الي نفس المؤتمر , وصل قبلي بيومين , عرفت صوته حتي و هو يلقي دعابته بلكنة انجليزية جيدة , رووم سيرفيس , جزء من الوطن لا تخطأه الأذن ابدا , بعدها بعشرة دقائق افطرنا سويا , في المساء كانت لنا تمشية طويلة علي شاطيء المحيط , تحدثنا كثيرا في مشاريع قادمة سيكون لها محل أخر في الكتابة , عن مفهوم الوطن و النزاهة و المواطنة .
**
لم استطع ان ابقي متيقظا طوال طريق العودة في الطائرة , نمت لمدة ستة ساعات متواصلة , و استيقظت يومها علي ميعاد مباراة مصر و الجزائر , استمتعت كثيرا بمشاهدتها , و مشاهدة فرحة الناس في الشوارع بالفوز , واصلت نومي بعدها , تركت تعليق علي صفحة الفيسبوك قبل أن انام ... و تباتي يا بلدي كل يوم في فرحة و سعادة ... تحيا مصر

الاثنين، نوفمبر 09، 2009

في وسط زحام الرصيف من فوق الكوبري نظرت الي الاسفل متأملا المسافة الفاصلة بيني و بين المياه
الجسور تصل بين الاماكن ... تصل من التواصل ... جسر ... الجسارة ... الشجاعة ... التواصل درب من الجسارة لطالما اجتذبتني الجسور لعبورها و الوقوف فوقها
**
دققت النظر في وجهها عندما شاهدتها تعبر الطريق فوق كوبري قصر النيل ... تبدلت ملامحها قليلا ... امتلأ جسدها ...اصبح أكثر اثارة ... في ليلة صيفية مع اول ضوء للفجر ... و في نفس المكان منذ ثلاث سنوات كان اول تلامس حميمي بيننا
في سيارتها القديمة و في منتصف الكوبري توقفنا ... اقتربت من وجهها بحذر ... لم تمانع كثيرا ... اختلسنا من الزمن قبلة لها طعم المرات الأولي ... لم افهم كيف كانت تلك الانثي في كل مرة تجعلني اتذوق طعم المرات الاولي
**
اقتربت منها حذرا لأتأكد ان كانت هي أم لا ... كانت تحمل طفلا صغيرا ... ابتسمت لي فاقتربت اكثر ... سألتها هل هو ابنها ... أومأت بالايجاب ... سألتها عن اسمه ... قالت لي ... طارق ... لم اسألها لما اسمته علي اسمي لكي لا ابدأ في هدم جسر قديم ... حملت الصغير ... شعرت بدفء غريب بيني و بينه ... تبادلنا الايتسامات و الكلمات و ذهبت هي عندما هبط الليل علينا ... قطعت الكوبري ذهابا و ايابا عدة مرات بعد ذهابها لأتلمس الحاضر ... جسرا لم يعد له طرفان ... معلقا في الفراغ لا يصل و لا يمنع عن التواصل


statistique