في المغرب
**
الدولار , و اللغة الانجليزية هما اللغة و العملة الأكثر تفوقا في زماننا هذا , تلك الورقة الخضراء التي تسحر الجميع , طبع عليها ختم ولاية واشنطن دي سي و رسم لجورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة . كان خصمًا للإنفصاليين وقاد الثورة التحريرية التي انتهت بإعلان استقلال الولايات المتحدة بريطانيا في 4 يوليو 1776. مع انه التحق بالجيش الانجليزي في امريكا في بداية حياته !!
بالرغم من أن الجميع هنا يرحب بالتعامل بهذه العملة , إلا أن الانجليزية ليست لغة معروفة أو مستخدمة هنا , القليل من القليل يعرفونها , أشعر بالكثير من الامتنان لأبي و امي هنا في المغرب فهم اصحاب فكرة دخولي مدرسة فرنسية في صغري بالرغم من رفض المجتمع المصري للذكر الذي يتحدث الفرنسية , يشاع انه رجل خرع , مايص , من كان يعرف أنني سأحتاج لأستخدام تلك اللغة و الاستغناء تقريبا عن العربية في بلد عربي , في فرنسا و في عاصمتها باريس , في رحلة مع ابي , كان يبدأ هو الحديث بالانجليزية التي يجيدها فيجيبه الفرنسيين بالانجليزية , اما هنا في المغرب فلا أحد يتحدث الإنجليزية و لا العربية حتي فقط الفرنسية !!
**
الدرهم المغربي , فوقه طبعت صورة الملوك الثلاثة و من خلفهم مسجد , أتصور أنه مسجد الحسن الثاني في كازابلانكا , سألت عامل الإستقبال في الفندق أي مسجد هذا !؟
تأملني قليلا و ابتسم مندهشا , أجابني بأنه لا يعرف
منتشرة تلك الجملة فوق العديد من المباني , الله ... الوطن ... الملك , الأمر الغريب انني لم اجدها مطبوعة فوق العملة , اسجل ملاحظة أن كل العملات عليها صورة ملك أو رئيس , و شعار ديني
**
الأن أتذكر صديقي الورقي جمال الغيطاني , بالأخص كتابه القاهرة في الف عام , و دفتر التدوين السادس رن ... سامحه الله جعل عقلي ينشغل و يشتعل بقراءة المباني , المنازل , المساجد , بكتاباته و برنامجه التليفزيوني علي قناة دريم , أتأمل مأذن القاهرة القديمة و الي أي العصور تنتمي , أتمني أن ابني لنفسي منزلا بحديقة داخلية و نوافير و شبابيك ارابيسكية من الخارج , بسبب ما قرأته له , أتخيل وجهه و هو يمتقع عندما يري الابتسامة اللامبالية لموظف الاستقبال في الفندق هنا
**
العملة المحلية , الجنيه المصري , لم اعقد ابدا المقارنات بينه و بين أي عملة اخري , اخرجتها من الحافظه هي الأخري و وضعتها بجانب العملتين الأخرتين , كل اوراق النقود المصرية لها وجهان فرعوني و اسلامي , قرأت في كتاب الوطنية المصرية للراحل الدكتور احمد عبد الله رزة أن مأذن المساجد و منارات الكنائس إختراع مصري صميم , بديلا للمسلات الفرعونية , طراز معماري أخذه العالم كله مننا , تري ماذا يمكن أن يأخذ العالم منا الأن !!؟ الأمر الرائع الأخر أن العملة المصرية لا توجد عليها صورة لأي حاكم .
**
مستقلا الطائرة في طريق الذهاب , سألني رجل هل من الممكن أن يجلس في مكان من الاماكن الفارغة بجواري , فأومأت برأسي موافقا , أتي رجل اخر يبدو انه علي سابق معرفة بالأول و جلس بجانبه , كان الأحدث
في الجلوس مرتابا و يتحدث بصوت منخفض للغاية , صديقه يبتسم لي كثيرا كلما التقت اعيننا محاولا هو
مشاهدة السحب من النافذة الملاصقة لي , وضعت السماعة علي اذني و بحثت في قنوات البث عن ام كلثوم , هي الأنسب في رحلة طويلة من ستة ساعات , هي الأمتع في المسافات الطويلة و الوحدة خصوصا و أنني كنت افتقد لأي صحبة بشرية , هكذا هي ام كلثوم تؤنس وحدتك , عكس فيروز و اغانيها القصيرة الجميلة المناسبة للمسافات القصيرة , صوتها يذكرني بالصحبة فيزيدني اغترابا , يضاعف الوحشة في ظروف كهذه
**
لم يتوقف صاحب الصوت الخفيض من اختلاس النظرات الخائفة الي , لمحته و انا اطلب من المضيف كوب من القهوة , استثار كل ذرة فضول بداخلي لمعرفة ما يقول , خفضت صوت ام كلثوم حتي صمتت و لم أخلع السماعات , أنصت السمع , يتحدث عن كتب و اسماء كتابها , يخبر الجالس بجانبي أنهم اصدقاء شخصيين, التقت اعيننا مرة اخري للحيظات , فأشار بأصبعه لي , خلعت السماعات و ادرت وجهي بالكامل اليه , امعنت النظر في وجهه فلاحظت أن لحيته غير مشذبة , سألني , حضرتك مصري !؟ فأجبته بالايجاب , ضيق عيناه قليلا و سألني , ما تأخذنيش في الكلام يعني , انت غير مسلم , قلت له تقصد مسيحي !؟ قال لي أه قصدي نصراني .
قلت له أه أنا مسيحي , ابتسم لي بعصبية واضحة و نظر الي الجهة الأخري , لم تمر دقائق حتي قام هو و صديقه و جلسا في مكان أخر .
**
أيقظني من نومي الرجل الأخر الحليق بعدها بحوالي ساعة , سألني لما أنا متوجه الي المغرب !؟ قلت له لحضور مؤتمر , فأتسعت عيناه , و سألني مؤتمر حوار الأديان !؟
جاهدت كثيرا لكي أتذكر هل قرأت في الصحافة قريبا أي شيء عن مؤتمر مشابه فلم تسعفني الذاكرة , فسألته هل هذا هو سبب توجهه الي المغرب !؟ فأجاب بالأيجاب , و صمتنا
**
كسر حدة الصمت سؤاله , أنت كاتوليك ؟ قلت له افضل أن تعتبرني مسيحيا فقط , فأصر علي تكرار السؤال , اذا انت كاثوليكي , قلت له ارثوذكسي , ثم كررتها مرة أخري افضل أن تعتبرني مسيحيا .
لم يكف عن تعريفي في حديثه طوال الوقت بالارثوذكسي المستنير , و لما سألني عما يتحدث مؤتمري , قلت له مؤتمر عن حقوق الانسان , هز رأسه و ازدرد ريقه بصوت عالي , ثم صمت , الصمت الأخير المريح لي و له , فلم نكن نتحدث نفس اللغة بالرغم من استخدامنا لنفس المفردات اللغوية .
**
في منتصف الليل تماما وصلت الي مطار الدار البيضاء – كازابلانكا , لما اعطيت جواز سفري للضابط المغربي سألني إنت مصري !؟ قلت له نعم , سؤال غريب بالأخص و أن اثبات شخصيتي المصري في يده , اتضحت الأمور تدريجيا بعد ذلك , نظر الي حقيبتي بطرف عينه و اكمل سؤاله ... معاك معسل !؟ أجبته بأنني لا أدخن الشيشة
هكذا اذا يعرفون المصري هناك !! يعرفوننا بالمعسل , بالتأكيد شارك الكثيرين في تأكيد هذا الربط الغريب بين المصري و المعسل في مطار محمد الخامس
كانت درجة الحرارة باردة للغاية بالخارج و الهواء نظيفا , يشبه هواء مدينة الاسكندرية , سألت سائق التاكسي هل الطريق الي المحيط بعيد عن فندقي , فلم يفهم لهجتي العربية , و لما كلمته بالفرنسية , اجابني لمدة نصف ساعة , طوال طريق الذهاب و لم افهم كلمه مما قاله بالفرنسية او العربية !!
كم هي جميلة عيون المغربيات السوداء الكحيلة , كم هن جذابات , بعد تمشية طويلة علي المحيط في الصباح خانتني رجلي اليسري كعادتها , جلست علي مقهي امام الاطلسي , اتذكر قريب لي يتمتع بقدر لانهائي من القدرة علي اطلاق الاكاذيب ... فاذا جلس علي شاطي الاسكندرية اكد لنا انه يري ايطاليا من مكانه هذا , و اذا جلس علي شاطيء البحر الأحمر يمكنه أن يري السعودية , يا تري ماذا يمكنه أن يري من خلف الأمواج هنا , بالتأكيد كان سيري اسبانيا , أو ربما بالغ و رأي أمريكا او كندا , أو شطح حتي مثلث برمودا
**
اشاهدهن يمررن امامي , بعضهن بصحبة شباب , لا حرج هنا في أن يحتضن شاب فتاته في الشارع , كمصري أري هذا غريبا , قبل اسابيع من سفري اخبرتني صديقه في ضيق أنه لكي يقبل شاب حبيبته عليهم أن يبحثوا عن مكان أمن لمدة لا تقل عن ساعتين , اما لكي يلكم شاب أخر فالأمر مقبول , أو أن يتبول في عرض الطريق فالأمر ايضا لا يلاقي أي امتعاض , أن يصفع حتي زوجته في ميدان التحرير فالأمر مستحسن و لن يتدخل أحد , قالت لي ... اصل كده يبقي راجل حمش
**
(سير بحالاتك ) تلك الكلمة شديدة الاهمية , مع الشحاتين ستحتاجها , في مصر أعرف بديلها , الله يسهلك , اقولها لأتخلص من الالحاح الشديد , اما هنا لما قلتها , فشلت فشلا ذريعا , بل و اكدت انني غريب عن البلد
كففت عن استخدامها و اعتمدت اللغة العالمية , لغة الجسد , أن اشير بأصبعي بلا , لكن الملامح الغريبة ظلت تفضحني , سائح , عربي و ربما اكون من الدول النفطية الغنية , في الحقيقة كلنا في الهم عرب , مصر ايضا مليئة بالشحاتين و اطفال الشوارع لكنني اعرف كيف يمكنني مقاومتهم , لدي القاموس اللغوي الكامل لكي ابعدهم عن طريقي
سير بحالاتك
لم اسأل موظف الاستقبال هذا السؤال خوفا من احراجه في البداية , لكن صبي ظل يلاحقنا لمدة نصف ساعة , افسد متعة المشاهدة بلجاجة سؤاله , عندها فقط سألت موظف الاستقبال ... عن تلك الكلمة السحرية التي تصرفهم
**