الأربعاء، أكتوبر 29، 2025

سانتا كلوز ... مش حقيقي اصلا

 

نكتب لكي نشفي مما حدث لنا، أم نكتب لنسرد للمجهول عمّا ألَمّ بنا؟

اليوم صباحًا، وصلتني مكالمة من زميل عمل قديم، شرع يسرد تفاصيل خفية في كواليس أحداث مؤلمة مررت بها. وكأن القدر أراد أن يعيدني إلى تلك اللحظات، ولكنه وضعني هذه المرة في مقعد المتفرج—رفاهية لم أكن أملكها حينها. لم أفقد قدرتي على الاندهاش وأنا أرى الأمور بوضوح وتدقيق، من زوايا لم يكن يسمح لي ضيق الخناق برؤيتها.

بالأمس، كنت في سيارتي متجهًا للقاء عملاء جدد، ورافقني أحد المبتلين بالفلسفة. قال لي جملة قاطعة في خضم حديثه الطويل، جملة علّقتني بها وأغلقت أذني عما بعدها: "أصل الزواج ده محتاج لحظة تهور". تساءل: هل أنت متأكد أنها الأجمل، أو الأحسن شخصية، أو الأكثر ملاءمة؟ لا. لكن في لحظة جنون وتهور، غالبًا بسبب صغر السن، تقرر الارتباط. أما لو أُجِّلَ الأمر خمس أو عشر سنين، فغالباً لن يُتَّخذ هذا القرار أبدًا.

التهور، يا صديقي، هو نوع من أنواع الرفاهية. التهور كالثورة تمامًا، يتطلب أن تمتلك رفاهية صغر السن لكي تجرؤ على الثورة. أن تحاول تغيير العالم هو درب من الجنون لا يسلكه إلا من لم يمسسه الواقع بعد. أنظر اليوم إلى أولئك الحالمين بتغيير العالم وأصاب بالدهشة، كيف كنت بهذا الحمق والانفصال عن مفردات الواقع عندما كنت شابًا في العشرينيات والثلاثينيات من عمري؟ كيف كان الحلم هو الأساس ، والواقع هو الاستثناء الهش القابل للكسر؟!

لم أعد أملك رفاهية السهر كثيرًا، ولا تلك الإجازات الطويلة التي تختلط فيها الأيام فلا تعرف هل هو الاثنين أم الخميس. كان شيئًا ما يبهجني في تدخين السيجارة مع تغيّر لون السماء معلنةً ظهور النهار. أستيقظ مبكرًا وأرى المشهد ذاته، ولكن تلك البهجة لم تعد تأتي. فقد توقفت عن التدخين... وعن الحلم... واستسلمت للنهارات المرتبكة سريعة الوتيرة. إنه ليس تقدمًا في العمر، بل هو فقدان القدرة على التسامح مع الأحلام التي لن تتحقق.

تبدو النهارات جميلة وبريئة فقط عندما تأتي الصغيرة تسألني عن حقائق الحياة التي يعجز الإنسان طوال عمره أن يفهمها: كالموت والحب. تبدأ حديثها بسؤالها البريء: "هل تحبني أنا أكثر أم تحب فلان أو علان؟"، وتنهيه بأسئلة عن كيف يمكن لأحد أن يموت وكيف يذهب هؤلاء الكبار "العواجيز" إلى السماء؟ ثم تضع لمستها الأخيرة الساذجة قبل النزول لركوب الحافلة: "هو أنت عارف سانتا كلوز هييجي إمتى!؟"

ابتسم لها و اخبرها انه الجو ليس باردا كفاية لكي يأتي .... و اهمهم بصوت منخفض ... بس هو مش حقيقي ... سانتا كلوز مش بييجي ابدا, فتسالني هيجيب لي هدية السنة دي ... فاجيبها  , طبعا هيجيب لي انا كمان ... 


statistique