انها تلك الغربة التي تصاحبني في كل مكان اذهب اليه , كلفة فراق الامكنة و الارواح اعلي كثيرا من متعة الانغماس في تفاصيل البشر و المكان , فراق الارواح , عرفته للمرة الاولي عندما هاجر صديق تعرفت عليه في مدينة ذهبت اليها لأتعلم الهندسة فعدت باحساس عميق بالغربة , ذهب و لم يعد و انقطعت الاتصالات منذ زمن , تلاها جدتي الجميلة , اقتربت منها جدا في اعوامها الاربع بعد العقد الثامن من عمرها , مساءا تضع الكريم و بعض احمر الخدود و تخرج لتجلس في مقعدها المفضل خارج الغرفة , اسألها , تشربي قهوة ؟؟ فتوميء برأسها في خجل معشق في كل ثنايا وجودها بمنزل ابي , نجلس سويا لتحكي علي عن جيرانها اليهود و الارمن ... ثم تسألني عن احوال البلد , و تضحك , كانت تحب الضحك و تنتظر اي بادرة له لتضحك و تضحكني معها ... و تلك الصديقة التي هاجرت ايضا لهناك لكي تتزوج , افتقد وجودها كثيرا و عمق حديثها الثري ... اما الاماكن فلها ما لها من وجع , في المرة الاخيرة عندما جلست مع صديق هو الاخر يعلم جيدا ما هي الغربة , قلت له انني لا اريد النظر الي اللوحات في المكان حتي لا انغمس في تفاصيله فاحبه ... كلفة الفراق اعلي من متعة الانغماس في تفاصيل المكان , صاحبني احساس الغربة حتي و انا خارج مصر , لا اعرف لماذا احاول تغيير مسار تمشيتي اليومية في المساء , لا اكرره ابدا حتي لا أئتنس بالمكان فاحزن لفراقه الوشيك , ما يخيفني حقيقة هو انتي ... انتي وطن احببته و سكنته , طمأنينة تتسرب الي كل حواسي في وجودك , اخاف من هذا الشعور و احبه , لكنك الوطن يا حبيبتي .