الأربعاء، مارس 24، 2010

حرية

حاولت اليوم الاقتراب من اليمام فوق سطح منزلنا و لكنه كان كعهدي به مذعورا خائفا . يفر بمجرد أن يبدأ جسدي اقل حركة , لا يشبه هذا الحمام المطمأن لدرجة تثير الحنق في امستردام , و لكنني احب اليمام المصري و لا اعرف ما السبيل لكي يكون مطمئنا , لكي يقترب مني بلا خوف , لا اعرف ما السبيل لأقناعه انني لا احب اكل هذا الطائر المسالم الجميل مثلما احب الاقتراب منه
بالامس عندما اخبرتها عن رغبتي في أن نتقابل في مكان أخر بعيدا عن كل تلك المعوقات , فزعت , هاجمتني بشدة , بدت و كأنها تحاول التملص مني و كأنني اقيدها رغما عنها , لم اغضب و لم اثور حتي عندما بدا علي كلماتي هذا الاحساس , فقد كنت اكذب , لم اغضب و لم تنتابني تلك الثورة العارمة لرفضها الشديد , الرفض الذي هو في اصله خوف و ذعر شديد , فقط حاولت طمأنتها انني رجل من هذا الطراز الذي يحب كثيرا الاقتراب من الطيور الجميلة , يحب أن يراها عن قرب , يمد جسور الانسانية و الصداقة بينه و بينها , يعلم جيدا أن اليمام خلق لكي يكون حرا , و لكننا بكل ما نحمله من قسوة بشرية اخفناه يوما بعد يوم حتي انه كلما رأنا انتابه الهلع , لم اقل لها يا صغيرتي انني لا اريد ان اجعل منك وجبة شهية لمرة واحدة بذبحك , فالاشهي من ذلك هو ان نكون اصدقاء , لم اقل اي شيء من هذا , فقط صمت قليلا مغيرا مجري الحديث , متفهما كل هذا الخوف مقدرا لكل اسبابه و مبرراته .

مثلما فعلت اليوم مع اليمام المذعور فوق سطح منزلنا .

وقف الشريط في وضع ثابت ... خلي المكنجي يرجع المشهد


في ذكري الرجل الهولندي الذي رأيناه يقف امام السفارة الاسرائيلية في امستردام , يذهب هناك كثيرا و يقف حاملا علم فلسطين , تحدث في البرلمان الهولندي عن معاناة الفلسطينيين من قبل , في ذكري تلك اللحظة الكاشفة التي سجلتها كاميراتنا , احب ان اهدي لكم قصيدة الرائع صلاح جاهين


وقف الشريط في وضع ثابت

دلوقت تقدر تفحص المنظر

مفيش ولا تفصيلة غابت

وكل شيء بيقول وبيعبر

من غير كلام ولا صوت
أول ما ضغط الموت

بخفة وبجبروت

في يوم أغبرعلى زر في الملكوت

وقف الشريط في وضع ثابت

انظر وشوف ع المهل بالراحة

الشمس وسط القبة قداحة

وناس بعيد في الظل مرتاحة

ومصر واقفة صبية فلاحة

على كتفها بلاص فيه ألف ثقب رصاص

والميه منه خلاص

شلالها في الرمل غاص

صبية حلوة كأنها تفاحة

لكنها م الحزن دابت وسط السواد ندابة نواحة

ولما هل بطلها في الساحة

بالحب والإخلاص

وقف الشريط في وضع ثابت

خلي المكنجي يرجع المشهد

عايز أشوف نفسي زمان وأنا شب

داخل في رهط الثورة متنمرد

ومش عاجبني لا ملك ولا أب

عايز أشوف من تاني وأتذكر

ليه ضربة من ضرباتي صابت؟

وضربة من ضرباتي خابت

وضربة وقفت بالشريط في وضع ثابت؟

قال المكنجي: رجوع مفيش

عيش طول ما فيك أنفاس تعيش

وبص شوف

ركن الشباب صفوف صفوف

ركن الشباب في السينما بيصفر

مفيش وقوف
ركن الشباب فيه ألف مليون شب

ومش عاجبهم لا ملك ولا أب
أنظر إليهم

وأنت تتذكر

meditation room

اثناء مغادرة امستردام و في احدي طرقات المطار , اكتشفت هذا المكان الجميل الهاديء , غرفة التأمل , دخل الاصدقاء ممن يعرفونه من قبل و من خلفهم دخلت , مكان للصلاة و التأمل , رأيت داخله سجادة للصلاة و كراسي قليلة في احدي الجوانب , صلي المسلمون بداخله , رأيت رجل تبدو علي ملامحه انه اسيوي , يعتنق احدي تلك الديانات الاسيوية , ربما كان بوذي او هندوسي , مكتبة كبيرة تتسع لكل الكتب المقدسة , بكل لغات العالم , استطعت تمييز رائحة التسامح في هذا المكان , كل جنسيات العالم و كل الاديان و كل اللغات , الكل يجلس في طمأنينة يصلي الي الخالق , الاله العظيم , خالق السموات و الارض و كل ما عليها , الكلمات لا تساعدني لكي اصف هذا المكان , فقط شعور عميق بالطمأنينة و السكون يتأكد بداخلي , كلما تذكرت هذه الغرفة المدهشة ... غرفة التأمل .
---

الأحد، مارس 14، 2010

الجميلة - امستر دام

من نافذة الغرفة المطلة علي الساحة الكبيرة اتأمل هذا المبني الكبير المقابل للفندق , يلفه الغموض , لم احاول الاقتراب منه منذ اتيت , قد يكون قصرا قديما , متحف , منازل سكنية مجمعه في مبني كبير , ربما معهد للدراسات او حتي فندقا اخر .
لا اعرف لماذا لم اقترب منه حتي الأن !؟ استمتع بالنظر الي طرازه المعماري الفريد دون الاقتراب منه , اكتشفت كل المباني من حولي الا هذا المبني , احاول ايجاد مبرر لعدم اقترابي منه فلا اجد و لكنني مصر علي انني لن افعل حتي نهاية المؤتمر !
منذ اتيت الي هنا و انا اعرف ان شارع ممارسات الجنس التجاري خلف الفندق و لا يحتاج الا لعشرة دقائق او اقل مشيا لكي اصل اليه , كنت اعرف انني سأري شيئا مختلفا هذه المرة , فهن يعرضن اجسادهن في فتارين زجاجية , بعضها مغلق من الداخل بستارة و هذا يعني أن الحبيسة خلف الزجاج مشغولة , و بعضها مفتوح , ترقص من خلفه فتاة و هذا يعني انها تنتظر ان يؤجر جسدها احدهم ليقذف به حمم شهوته و يذهب , في باريس كان الأمر مختلفا , فقد كانت ممارسات الجنس التجاري يقفن في الشارع المخصص لهن بلا فتارين زجاجية كتلك التي هنا , و في شوارع القاهرة يمكن ان تتعرف عليهن في اماكن معينة , كلهن اتفقن علي انهن لا يرتدين الحلي , بلا اقراط و لا خواتم , قال لي صديق مرة انهن يقفن في شوارع خالية من المارة مظلمة و هذا يجعلهن عرضة للسرقة دائما , لذا فهن لا يلبسن الحلي في شوارع القاهرة .

التعامل مع احد من خلف الزجاج شيء يفقدك التواصل الانساني تماما , كل من اضطر للجلوس خلف الزجاج في احدي السفارات لكي يستخرج فيزا او تعامل مع امن احدي الشركات الكبري , يعرف ما معني أن يكلمك احدهم من خلف الزجاج , يرفع يده من علي زر الصوت فلا يسمعك , يخرسك بضغطة زر حتي ان لم تكن انتهيت مما تريد ان تقوله , اقلعت عن احدي اهم هواياتي منذ فترة قصيرة , الا و هي تربية العصافير , لأنني لم اعد احب النظر لتلك الطيور المذعورة و هي خلف القضبان الحديدية , كنت وقتها افكر في شراء حوض اسماك للزينة ايضا و لكني تخليت عن الفكرة فورا مع اقلاعي عن الهواية الاولي .
يقوم الزجاج بنفس الدور هنا في امستردام و في الشوارع الخلفية للمنطقة السياحية , فتيات في اجسادهن منحوتة بعتاية بالغة , وجوههم مليئة بالالوان الصناعية , اجسادهن شبه العارية تحت الاضاءة الحمراء تماثيل شمعية متقنة الصنع لبشر .

فكرت ان اطلب من احداهن ان تدخلني خلف الزجاج لألمس جسدها لأتأكد من كونها حقيقية و ليست دمية بلاستيكية جميلة من تلك التي تستخدم في عرض الملابس , دمية نسيها صاحب المحل , و الجميع يمرون من امامها يسخرون , لكنهم هنا لا يسخرون منها , انهم يضاجعون الدمي البلاستيكية !! اخبرني احد الاصدقاء هنا , أن الهولنديون لا يذهبون لتلك الشوارع الا نادرا , و ان معظم روادها من السياح , انصت السمع لكنني لم اميز سوي اللغة الانجليزية و الفرنسية و العربية اثناء تمشيتي , لم اعتاد بعد علي تمييز الحديث بالهولندية , رغم ملاحظتي انها لغة مليئة بحرف الفاء , كانت الفتيات يرقصن خلف الزجاج باستمتاع مصطنع , اثناء مروري ارسلت لي احداهن قبلة في الهواء , ابتسمت ليس لها رغم انني لم اشيح بوجهي عنها فقد ظلت عيوننا في اتصال , و لكن لأنني خجلت من وضعها هذا , لم استطع معاملتها كدمية , لم يكن الأمر مثيرا ابدا , معروف ان خلع الملابس قطعة بعد قطعة هو الشيء المثير , حتي و لو لم تخلع الجزء الأخير و تركته فسيتحقق المطلوب , سيظل الرجل يتسائل عن كنه المخبأ بالداخل و هذا هو ما يحقق تلك الفانتازيا المثيرة , اما رؤيتهن عاريات فهو اشبه بمشاهدة لوحة فنية , قد يعترف المرء بجمال تفاصيل الجسد المرسوم بداخلها و لكنه لن يثيره ابدا .
اكتب هذه التدوينة و انا انظر من النافذة من وقت لأخر الي الجميلة – امستردام – و الليل يغطيها منذ سبع ساعات انظر الي المبني المواجه للفندق من الناحية الاخري , و اتسائل هل هو قصر قديم أم متحف !؟ ربما يكون شيئا مختلفا تماما عن كل ما اتوقعه .

السبت، مارس 13، 2010

هولندا - وصول

اليوم الاول في رحلتي الي الأراضي المنخفضة – هولندا – امستردام تحديدا – امستل دام او سد امستل اذا ترجمت للعربية هي في الأصل مدينة منتزعة من البحر ببناء سد من حولها , طوال ساعات الطيران – الطريق - كنت مرتاحا و سعيدا فكما قيل الرفيق قبل الطريق , كانت البرودة قاسية كذا الوجوه التي استقبلتنا في اول وطئنا , تسلم ضابط الجوازات جواز السفر و سألني ما هو الهدف من زيارتك ؟ اجبته بأنها دعوة من وزارة الخارجية الهولندية لبرنامج تبادل ثقافي , ظل وجهه عابسا ثم نظر الي شريف عبد العزيز – رفيق الرحلة – سألني هل هو معي لنفس الهدف , أومأت برأسي له , سألني و كأن الأمر بيدي , هل لديك مانع في أن تتوجه مع الشرطية – ظهرت بجانبي من اللامكان – فهي تود أن تطرح عليكم بعض الاسئلة , لم احرك ساكنا , فقط نظرت اليها لأجدها تقول لي بالانجليزية , تعال معي , ذهب كلانا معها بعد أن تسلمت جوازاتنا هي , سألتنا بعض الاسئلة ارزلها علي الاطلاق , هل معكم اموال ؟ ما مقدارها تحديدا ؟ ثم طلبت منا أن ننتظرها حتي تأتي الينا مرة اخري و اشارت لمقعدان متجاوران امام باب مكتبها , مرت دقائق قليلة و اتي شرطي أخر اعطي لنا جوازاتنا و علي وجهه ابتسامة مرحبة قائلا مرحبا بكم في هولندا , شكرناه و خرجنا لنجد حقيبتينا تلفان وحدهما علي السير كيتيمتين , لم نكن في مزاج سييء بعد أن اعتذر لنا الشرطي و رحب بنا في بلده , وجدنا بالخارج مسئولة الرحلة – رضوي خورشيد – و وائل عباس فداعبناه قائلين , انت يغلسوا عليك هناك و احنا يغلسوا علينا هنا .
لم يمنعني هذا من التفكير , هل هي ملامحنا الشرق اوسطية التي جعلتهم يحققون معنا !؟ ام ان هناك اسباب اخري لا اعرفها !!
لم ينشغل بالي طويلا فالايام القادمة ستثمر عن اجابات لهذه الاسئلة بالتأكيد , في الطريق الي الفندق و من نافذة السيارة تأملت المدينة للمرة الاولي , جميلة و مرتبة و كأن من بناها و خطط طرقها المتعرجة عازف كمان موهوب او احد اتباع مدرسة الواقعية السحرية , كل المبان لها نفس الالوان , الابيض , و البني بدرجاته , مسارات مخصصة
للدراجات فهي منتشرة للغاية هنا , قنوات مائية تخترق المدينة بطولها و عرضها , غرفة الفندق لها نافذة مطلة علي ساحة كبيرة , لطالما استهوتني النوافذ , تعطيك الفرصة أن تتأمل البشر و المبان دون أن تتورط في سماع الكثير من الضجيج , اول امس كنت احادث فتاة اطلقت عليها اسم الشبح فهي تظهر من وقت لأخر لتدهشني بثقافتها الواسعة ثم تختفي لمدة طويلة مرة اخري , قلت لها عن ولعي بالنوافذ , حتي نوافذ البشر , عيونهم , فمن عينان الفرد و نظراته يستطيع الانسان أن يستكشف ملامح شخصيته إن كان طيب القلب , او خبيث , او ذكي , كل الأشخاص لهم عيون تعبر عنهم , كل انسان يحمل الوجه الذي يستحقة و العيون التي تكشف وجهه حتي و إن حاول الكذب مقلصا عضلة هنا و اخري هناك في وجهه
اللغة الهولندية تبدو حروف كتابتها مشابهه للانجليزية و الفرنسية كثيرا , و لكن نطقها يبدو كصوت فأفأة مستمرة لا تنتهي و بالطبع غير مفهومه , لأول مرة تطأ قدماي بلد لا اعرف لغة اهلها , و علي التواصل معهم بلغة غريبة عني و عنهم .
بعد ان وصلنا الي الفندق و رتبنا حقائبنا خرجنا لنستكشف شوارع امستردام علي اقدامنا , هي الطريقة المثلي لكي نري البلد عن قرب , درنا حول الفندق دورتين ثم اتخذنا طريقا طويلا بعدها حتي وصلنا الي ساحة واسعة , اقتربت مني حمامتين لمسافة قريبة جدا قد لا تتعدي السنتيمترين و ظلا يلتقطان فتات خبز من علي الارض
, الحمام هنا لا يخاف البشر , اليف للغاية و مسالم , يبدو أكبر حجما و اكثر سلاما من الحمام المذعور في بلدي , هو رمز للسلام بالفعل هنا فهو غير مذعور , سلام حقيقي لا رمزي او اسمي , لم يحدث هذا من قبل معي ان اقترب الحمام غير خائف مني الي هذه المسافة , كنت اجلس في حديقة جامعتي ساكنا لأوقات طويلة في مساءات كثيرة أراقب العصافير و الحمام و اليمام عندما ينزلون الي الأرض , كنت دائما اتمني أن يقتربوا مني لمسافة كافية , أن يشعروا بالأمان , و لكن لم يحدث هذا ابدا , سألني شريف و نحن في ساحة أخري كبيرة , الا تلاحظ أن البشر هنا لا يبتسمون لبعضهم البعض !؟ كانت ملحوظه حقيقية فمنذ اتينا و الجميع وجوههم قاسية جامدة لا تبتسم و لا توميء بأي انفعال , حاولنا ملاحظة هل يفعلون هذا مع بعضهم البعض ام معنا نحن فقط , فتأكدنا أنهم بالفعل لا يبتسمون الا نادرا , لا افهم كيف يحيا شخص في هذا المكان الجميل و لا يبتسم .
دائما ما صرحت للكثير من الاصدقاء بأنني اري الزهور شيء عادي و غير هام , و ليس بكل هذا الجمال كما يبالغون , كنت اري نظرات استهجان في عيون الفتيات , و ابتسامات من الرجال , احدهم قال لي ذات مرة – الورد ده هبل بنات علي فكرة – اعجبني تعبيره و عندما استكمل نظريته في ان الورد شيء لا يمكن أن يؤكل و لا يزين اي مكان لوقت طويل فهو سريع الذبول , شعرت بأنني من مؤيدي نظريته , اليوم و في هذه المدينة تعلمت درسا جديدا , لهذه المدينة حضور انثوي مذهل , الورود في كل مكان تشع جمالا , الأن فقط تفهمت لما تهتم الاناث كل هذا الاهتمام بالزهور و الوانها و رائحتها , و شعرت بالاسف لأنني لم اهدي الزهور لأي ممن عرفتهن , الفتيات هنا بالفعل جميلات , ربما بتأثير الزهور المنتشرة في كل مكان هنا , الوجوه نضرة رغم برودة الجو القارسة , ابتسمت و تذكرت صديق لي في مصر في إحدي نوبات انفعاله برؤية فتاة جميلة مرت من امامنا , قال لي , البنت دي انا لو حضنتها هاقعد اعيط بعدها ... نفسي احضنها و اعيط , ثم تدارك انه انفعل بشدة – و قد كانت بالفعل جميلة – فضحك ضحكة من ذلك النوع المعدي و الذي يشجعك علي مشاركته فيها و بصوت عال
اتسائل هل لو رأي كل تلك الجميلات هنا , ماذا كان سيقول !؟


statistique