الاثنين، سبتمبر 07، 2009

وجوه

فوق كوبري غمرة ... لم أتبين ملامحه في الظلام و هو يطلب مني أن اشعل له سيجارته
اشعلتها له فانارت الشعلة الصغيرة وجهه فعرفته .. تذكرت ملامحه جيدا
قال لي شكرا
لم اجبه
لو كان يعلم انني كنت حبيب زوجته السابق لم يكن ليشكرني ابدا علي أي شيء
بالاخص لو عرف انها عادت تراسلني مرة أخري منذ سنة مضت ... و راسلتها لفترة حتي تيقنت انها لم تنس أي شيء كان بيننا ... قتلني الفضول وقتها ... و لكن احيتني الفضيلة و قتلت الفضول ... ارسلت لها رسالة تليفونية قصيرة ... لم يعد يجدي أن اصغي الي مشاكلك ... فزوجك هو الأولي بذلك الأن

***
أنهيت أخر انفاس السيجارة ... دخلت الي المترو ... اخرجت جنيها معدنيا للحبيس وراء الزجاج .. أن تقطع تذكرة و تأخذ مقابلها عملة ... دون النظر الي وجوه البشر
ما فائدة النظر الي الوجوه ... إن كان سيلقي بي وسط قصص كتلك التي تذكرتها منذ دقائق !؟

***

من محطة غمرة حتي محطة رمسيس ... لم أجد شيء يسليني سوي أن أعد اللمبات داخل النفق ... اللعنة علي تلك المواصلة الملعونه ... شديدة الملل .. لا شيء يمكنك أن تراه بداخل النفق سوي لون رمادي لانهائي
في زيارتي لفرنسا و في مترو الأنفاق هناك وجدت رسومات جميلة داخل النفق بالكامل ... رسمها فنانون هواة ... مبدعين ... لأنهم هواة
!! ما معني أن تكون فنان محترف
و هل الفن حرفة في الأساس !؟

***

أما هنا فلا توجد أي تسلية أخري غير أن تعد اللمبات بين كل محطة و أخري ... عدد اللمبات بين محطة روض الفرج و مسرة 62 لمبة و بين مسرة و رمسيس 57 لمبة
أه نسيت .. يمكنك أن تسلي نفسك ايضا بشيء اخر ان كانت عربة المترو مزدحمة .. أن تنظر الي وجوه الجالسين ... ستجدهم كلهم متحفزين لبدء تلك المباراة العدوانية في النظر اليك شذرا ... أخلاقيات الزحام كما اسماها صديقي المثقف مجيبا لرصدي للظاهرة العدوانية في المواصلات العامة

***

جلست علي الكراسي المعدنية في محطة رمسيس منتظرا وصول القطار ... كنت وحدي تماما .أتي رجل و زوجته ... الرجل يرتدي ملابس رديئة رخيصة الثمن كمعظم ركاب المترو ... يحمل طفلة صغيرة بريئة الملامح ... بدأت اسلي نفسي بأغماض عيناي لها ... لتفعل هي نفس الشيء .. ثم اخرجت لساني فقلدتني ... و عندما اخرجت لساني و حركته يمينا و يسارا ... لم تستطع أن تقلدني ... حاولت قليلا و تقلصت عضلات وجهها الصغير ... و لما لم تنجح ... ابتسمت ... أجبرتني علي أن اقلدها هذه المرة
اختفت الابتسامة من وجهي عندما اشارت لوالدها تجاهي
قالت له ... عمو
أنا عمو !!!؟

***

بالأمس عندما قالت هي لي بداخلك طفل عنيد ... لم استطع أن اعارض كلماتها ... قلت لها الحقيقة ... انا لا احب أن اشعر بأنني كبير السن ... أنا باموت خوف من الاحساس ده
فأجابتني ... لكنك لديك شعيرات بيضاء قليلة في جانبي رأسك
قلت لها .. ده اسمه وقار ... وقاااار
قالت لي يعني ايه وقااار؟
اجبتها وقار ده نوع من السمك
ضحكت هي ... لم أضحك ... لم تضحكني النكتة التي اطلقتها ... أزعجت الطفل النائم بداخلي
***
وصلت الي المنزل .. وجدتها نائمة ... لا اعرف كيف لم اطردها من المنزل قبل أن اتركه بالأمس ... رأيت في وجهها شبح الخوف من الأرصفة التي أتت منها ... لم استطع أن اوقظها ... فقط وضعت رأسي بجانب رأسها مسافة كافية لتشتعل الأحلام اثناء النوم بيننا فتستيقظ مفزوعة ... و تذهب لتدور و تدور ...تمتزج بالشوارع الرحيمة و الأرصفة الهادئة ... هربا من وجوه بلا ملامح تأتيني نائما علي هذا الجمر المسمي بفراش

الخميس، سبتمبر 03، 2009

رؤية

عندما سألت غاندي لماذا كنت تتسامح مع الجميع ... اجابني برد اربكني ... قال لي ... قضيت طوال عمري ابحث عن سؤال لكل اجابة و ليس العكس ... فلماذا تطلب مني اجابات ... و ما الاجابات الا اسئلة مقنعة لا يستطيع ان يجيب عليها او يفهمها الا الاغبياء
يا صغيري ... الامور المطلقة غير موجودة بمفردها فلكي تصل الي المطلق يجب أن تمر بالنسبي .
تفهم هو البله الذي كسي وجهي عندما القي بتلك الحقيقة امامي ... و استكمل حديثه ... ما بين الابيض و الاسود درجات من الالوان كثيرة ... يا صغيري لكي تصل الي الأبيض يجب أن تمر بكل الالوان الاساسية ... و تمزج بينهم بتوازن ... تتفهم ما معني كل لون ... عندها فقط ستصل أن تتفهم الأبيض ... الأبيض المطلق ... هو مزيج بين كل الحقائق و الالوان الاساسية النسبية .
يا صغيري ... يجب ان تكون قادرا علي أن تحول كل اجابة لسؤال جديد ... و ليس العكس .
و عندها ظهر امامي هتلر ... و قال لي ... لا تسأل ابدا ... فالسؤال الذي لن تنفعك اجابته ... حتما ستؤذيك .
و ذهب كلا منهما في طريقه و ظلت عيني تتابع غاندي ... حتي تحول الي سحابة بيضاء محلقة ... و عندما نظرت خلفي الي هتلر ... وجدت حريقة كبيرة ... كبيرة للغاية .
و ما بين اجابة السؤال ... و سؤال الاجابة ... سحابة محلقة و نيران محرقة .
***
كنت اجلس في مفرق الطريق فوق الرصيف علي يميني طريق قصير ... و علي يساري طريق اطول ... نفثت دخان السيجارة و القيت بها في وسط بركة مياه تتخذ شكل متصل ... طولي في اليمين و دائري في اليسار ... كان الجو هادئا للغاية لدرجة انني سمعت صوت زهرة النيران الصغيرة في السيجارة و هي تنطفيء ... كنت اتسائل وقتها ... يا تري اي الطريقين اولي بأن اتمشي فيه !؟
عندما حسمت امري قررت الصعود الي منزلي و الجلوس في الشرفة ... و من فوق رأيت الطريقين ... جلست اتأملهم ...رأيتهم بوضوح من الاعلي ... و اخترت أن اظل في مكاني ... استمع لأغاني محمد منير ... و قليلا قليلا اتضحت الرؤية ... لا فارق بين الطريقين ... فكل الطرق تؤدي الي البحر ... او ما وراء البحر إن كنت تجيد السباحة ... و انا اخترت أن اظل في مسكني بالرغم من انني اجيد السباحة .


statistique