الثلاثاء، مارس 17، 2009

انواع مبهجة للموت

كلمات كنت قد كتبتها في أوقات متفرقة بعيدة .. و لما أعدت قرائتها وجدت أن هناك خيط خفي يجمعها كلها ببعضها ... حاولت اقتفاء اثر هذا الخيط ... فلم اجده

***
تنتابني من و قت لأخر نوبات من الصمت ... الصمت العميق ... لا اود أن احدث احدا فيها مهما بلغ من القرب مني ... ادخل الي الكهف ..و اغلق بوابته بحجر ضخم لا يستطيع أي مخلوق تحريكه ... حتي أنا
في هذا الوقت يشعرني هاتفي المحمول و رناته المتصلة بأنه يخترق خصوصيتي ... اتتني رسالة من صديقة أخرها كان – كن بخير يا صديقي – شعرت وقتها أن الكهف ربما يكون شفاف لبعض الناس ... بالأخص من يقتربون من أن يكونوا كائنات نورانية لا يزعجوا ابدا من يقتربون منه
لا يهمني أن تراني تلك الكائنات حتي و أنا فاقد للتواصل معهم كل ما يهمني أن اظل بداخل الكهف استنشق الصمت ... ليبعث الطمأنينة رويدا رويدا لروحي المنزعجة

***

توصلت لهذة الحقيقة منذ زمن طويل و يوما بعد يوم تتأكد لي صحتها ... احب الصداقة مع الفتيات المسيحيات ممن يكبرونني في العمر , أو المسلمات بجميع اعمارهم ... و لا احب أن اصادق أي فتاة يمكن أن تعتبرني مشروع عريس مقبل ... و تنشأ الحساسيات و الحزازيات نتاج لذلك ... و بعد فترة اتحول الي صورة في البوم العرسان لديها فهذا امر مزعج ... مزعج جدا

***

عندما دخلت الي مكان عملها وجدتهم ملتفين من حولها ... كانت تتحدث في التليفون قبلها بعشرين دقيقة معي
كانت تبكي و صوت انفاسها يعلو و يهبط لدرجة مخيفة ... في اثناء محاولاتي لتهدئتها و محاولة فهم ماذا حدث إنقطع الخط .. عاودت الاتصال بها .. اجابني زميلها في العمل ... فسألته عنها فأخبرني بأنها في طريقها الي المستشفي
بعدها بيومين .. قالت لي انها شعرت بحالة من الصفاء الشديدة بعد أن فقدت الوعي ... و أنها اصبحت اسعد حالا و تصالحت مع الحياة و الظروف اخيرا
اعرف أن الروح في هذه الاثناء يخرج جزء كبير منها من الجسد .. فتري للحظات قليلة الفضاء الواسع لحريتها خارج الجسد المادي ... الحرية التي تتحقق بالموت ... و تعود الروح بعد ذلك الي الجسد كطفل صغير زار الحدائق لأول مرة ... مبتهج ... دائما يعود هؤلاء من كانوا يواجهون الموت سواء في الحروب أو بعد نوبات الأزمات القلبية ... أشخاص مختلفين ... لا احد يمر بهذة التجربة و يظل هو هو نفس الشخص ابدا

***

صديقة اخري ... عندما جلست معها ... و هي الخرق الوحيد للقانون الذي ذكرته بالأعلي عن الصداقة مع الفتيات ... فقد اصلح لها كمشروع صورة في البوم العرسان الخاص بها لأنها اصغر مني سنا ... و لكنني أعتبرها مثل أختي تماما ... و هي أيضا ... قالت لي انها اصبحت تتعجب من نفسها ... فوجود بعض الأشخاص في حياتها يجعلها سعيدة ... و لكن غيابهم لا يسبب لها أي شعور بافتقادهم ابدا ... فقلت لها هذا هو الكهف ... و لما شرحت لها نظرية الكهوف ... ابتسمت و اشارت لي لأحد المجانين كان يعبر الشارع في الناحية الأخري ... و قالت لي هذا الرجل يحمل كهفه و يمشي ... فاعجبتني اللعبة ... فقلت لها ... كل هؤلاء المارين من امامنا ... يحملون كهوفهم و يمشون فعلت ضحكاتنا وسط استهجان العاملين بالمكان

***

احببتها لمدة اسبوع بعد أن عرضت هي علي ذلك ... سعدت كثيرا بهذا العرض
هي المرة الأولي بالنسبة الي أن تأتي فتاة و تقول لي ... بحبك ... اكتشفت بعدها انني لم اعد قادر علي ممارسة احساس الحب ... انني كنت سعيد فقط لأنها تجربة جديدة تماما علي ... بأن تقتحم فتاة جميلة عزلتي ... بدأ الموضوع ببعض الملاطفات الخفيفة ثم الي لغة العيون ... و لم افطن له الا عندما صارحتني هي ... ففي المراحل الأولي للملاطفات كان الجميع يلاحظون هذا الا انا ... فكنت ابدو كالأبله ... او كمن يدعي البلاهة ... لا فارق
ارسلت لها امس رسالة قصيرة من تليفوني المحمول ... فلم أعد قادرا علي ممارسة فعل النطق ... و سيطر الصمت تماما علي تلك الحاسة البغيضة لدي ... قلت لها
اسف ... لم اعد استطيع ان اكمل معكي ... ليس لدي أي مخزون مشاعر لكي أو لأي فتاة
فأرسلت لي رسالة فارغة من الحروف كأجابة ... فتيقنت من أن فيروس الصمت انتقل في صمت مني اليها في اقل من اسبوع

***

الكتابة اليومية هي شيء هام للغاية و هي تطيل العمر بالتأكيد ... معظم الكتاب المبدعين ممن احببتهم كانت اعمارهم طويلة ... ببساطة لأنهم كانوا يرون أي حادث شديد الحزن علي النفس البشرية ... كمشهد بديع جدير بالتسجيل حتي و لو كان يحدث لهم هم

***

عندما مر ابراهيم عبد المجيد بجانبنا في معرض الكتاب العام الماضي ... ابتسم رامز الشرقاوي و عبد الرحمن مصطفي ... قالوا لي ... ها هو اديبك المفضل مر بجانبنا و لم تلاحظه ... اذهب و سلم عليه ... و قل له انك الوحيد الذي يقرأ له في مصر ... كانوا يضحكون بشدة و يحاولون استفزازي لمعرفتهم بأنني احب كثيرا كتابات هذا الرجل
كانت قدماي متعبتان لدرجة انني لم استطيع ان الاحق خطواته السريعة فلم اسلم عليه ... في هذا السياج المطبق من الصمت الذي فرضته حول نفسي ... نظرت الي مكتبتي فوجدت رواية عتبات البهجة ... اشتريتها في نفس اليوم الذي رأيت فيه الرجل ... فقررت قرائتها ... بعد أن انتهيت منها استطيع ان اقول و بكل وضوح هذه هي افضل رواية قرأتها منذ ولدتني امي ... في نهايتها اورد هذا المقطع الجميل ... قال علي لسان احد ابطاله – الوقوف علي عتبات البهجة دائما افضل من البهجة نفسها ... اجل , البهجة أمر سهل , لكن إذا طمعت فيها قتلتك و اهلكتك – و في نهاية الرواية قرأت تلك الكلمات الجميلة المزينة برسومات برسومات حلمي التوني – ابطال هذه الرواية الجديدة لأبراهيم عبد المجيد بسطاء في مشاعرهم , ابرياء في استقبال العالم حولهم , وحيدون يلوذون ببعضهم , ينتصرون علي القسوة التي تحاصرهم بالدهشة الدائمة التي تتجلي في أكثر من اسلوب من السخرية , الي روح الدعابة الي القلق الي الوداعة و الرضا . مجسدة لمحفل جميل تختلف فيه طرق الناس للانتصار علي الوقت بالاستمرار فيه او الخروج منه . إنها رواية عن حيرة الإنسان في العالم , رغم ما ينسكب منها من فكاهة أو مرح .
في نهاية الصفحات ايضا ... وجدت نمرة تليفون الكاتب ... و كأنه كان يعرف ... فقررت أن ارسل له رسالة قصيرة دون أن احدثه حتي لا اكسر سياج الصمت ... اقول له فيها ... شكرا علي رواية عتبات البهجة ... أنت اديب عظيم ... اديبي المفضل عن جدارة يا استاذ ابراهيم

الثلاثاء، مارس 10، 2009

فندق عامر

وحيدا احيا هنا في غرفتي ذات السريرين ... لم أعد أتذكر متي اتيت الي هذا المكان ... يتصل بي المدير كل يوم ليطمئن علي صحتي و يسألني عن رأيي في التغييرات التي استحدثها في الحديقة المواجهه لمدخل الفندق أو أي شيء جديد يقوم به
يحبني كثيرا فقد كنت صديق لوالدته الراحلة ... لا يعرف اكثر من اننا كنا اصدقاء ... تضحكني فكرة أن يعرف انني لم اكن مجرد صديق قريب فقط ... و أتخيل انفعاله الغريب المعتاد و هو يرفع حاجبيه الرفيعين كلما اطلعته علي حقيقة جديدة لم يكن يعرفها ... و لكنه لن يرفع حاجبيه اذا علم هذه الحقيقة ... سيرفع اشياء اخري بالتأكيد
احتسي كؤوس الخمر ليلا ... و القهوة صباحا ... و يثقب جدار معدتي بالقرحة كلاهما ... القرحة .. ذلك المرض اللطيف الذي يسليني ليلا بأن أقوم عدة مرات لكي اتناول الدواء ... و هل للوحدة من دواء

***

كل يوم اتصل به صباحا لكي اتأكد من انه لا زال علي قيد الحياة ... و في كل مرة يجيب هذا الذئب العجوز بنشاط علي الهاتف ... لا اعلم متي ينام !؟
أدعوه لأحتساء القهوة الصباحية معي ... أتمني في كل يوم أن اقتله ... و لكنه عجوز و سيموت وحده عما قريب
هكذا كانت تقول الملعونة عشيقته ... لو صبر القاتل علي المقتول كان مات لوحده ... و لكن عن أي صبر كانت تتحدث
ما هو هذا الصبر الذي كانت تريد القاتل أن يتمتع به ... عن أي صبر ملعون كانت تتحدث !؟
لازال ذئبا حتي بعد أن تخطي حاجز الثمانين عاما ... يخبرني ايمن كثيرا بأنه لم يكن ينام وحيدا في غرفته في اليوم السابق و أنه التقط احدي العاهرات من صالة الاستقبال بالفندق ... اللعنة علي صالة الاستقبال و علي هذا العجوز الثمانيني و علي الفندق كله

***

ايمن القناوي ... اسمي غيرالفني ... هكذا قال لي مدير صالة العرض بالاوبرا عندما زارني و رأي المعروضات في الصالة ... لا يعرف أحد أنني لا احب عملي في الفندق و لا احب عامر مدير الفندق و زميل دراستي و لا هذا العجوز الثمانيني صديق العائله القديم كما يسميه و الذي يقبع في غرفته وحيدا و الذي كلفني بمراقبته ... عامر حول عملي من مدير الاستقبال في الفندق الي مخبر ... مخبر ... نعم مخبر ... في المرة الاخيرة قبل ان اصل الي معرضي السنوي استوقفني مخبر و سألني عن عملي ... فقلت له عملي الذي احبه ... فنان تشكيلي ... فلم يفهم و أخذني الي امين الشرطة ... و عندما سألني دون أن ينظر الي وجهي ماذا تعمل ... قلت له فنان تشكيلي ... فلم يفهم هو الأخر مثل المخبر و أصر علي أن يفتش المظروف الكبير الذي كان معي ... و فتحه بدأ يتسلي بأن يشاهد ما بداخله و بدأ بصورتي مع العجوز الكريه زايد ... و سألني من هذا الرجل ... فقلت له احد الاصدقاء ... فلم ينظر الي و سألني ماذا تعمل مرة اخري
فقلت له فنان تشكيلي ... ففتح فمه مندهشا و سألني ... يعني ايه !؟
فقلت له يعني فنان تشكيلي
و ظل يشاهد الصور بعد أن أمر المخبر بأن يقف بجانبي لكي لا اهرب ... و اثناء نظره الي الصور وجد صورة لي مع وزير الثقافة ... كنت قد تصورت معه في العام الماضي اثناء معرض ... ليس معرضي انا بالطبع
و لحسن حظي كان يعرف ان هذا الرجل الذي يقف بجانبي هو وزير ... فسألني هل هذا الذي يقف في الصورة و يضع يده علي كتفي هو وزير !؟
فأومأت برأسي له بالايجاب ... فوقف و صرخ في المخبر ... شوف الباشا يشرب ايه !؟ و مسح كرسيه لكي أجلس عليه ... و بعد أن شربت معه كوب شاي و فشلت في افهامه ما معني وظيفتي ... و اضطررت لأن اقول له أنني رسام ... تركني لأذهب الي المعرض الذي لا يزوره أحد سوي زايد و عامر و بعض افراد عائلتي القليلين

***

بالأمس عندما كنت احدث عامر عن والدته ... لاحظت أنه تملكه غضب ... اصبح يغضب و يدخن كثيرا اذا ذكرت فقط اسمها .. هل يعرف ذلك الأبله شيئا عن ما كان بيننا !؟ بعد أن شرب نصف زجاجة الشيفاز بدأ يوجه لي السباب للمرة الاولي و بشكل عنيف .. و في اثناء خروجه من البار بدأ يسبني أنا و أمه سويا ... و إن كان يعرف فلماذا كان يعاملني بكل هذا اللطف طوال الفترة الماضية ... لم يكن يحدثني عن أنني اخذ بعض الفتيات من الاستقبال الي غرفتي ... بالرغم من أن ذلك مخالف لقوانين الفندق ... رأيتهم يطردون عدة نزلاء من غرفهم ليلا لنفس السبب ... اعرف أن ايمن يراقبني في كل لحظة لكي يخبر عامر بما افعل
هل كان ذلك الصبي الغبي يعرف بما بيننا !؟ سمعته بالأمس يقول أنه سيقتلني و يقتلها !؟ ذلك الأبله لا يعرف انها ماتت منذ سنوات بعيدة .. لقد لعبت الخمر برأسه علي ما يبدو و باح بما كان يخبئه
في كل الأحوال لازال لدي مسدسي القديم ... و استطيع استخدامه في أي وقت

***

لم أعد اطيق رؤية هذا العجوز في الفندق ... لم اعد اطيق رؤيته في الفندق !؟
بل لم أعد اطيق رؤيته حيا ذلك الملعون بسترته الرياضية البيضاء و صلعته الحمراء و التي تزداد احمرار مع كل رشفة من الخمر
اعلم أنه لازال يحتفظ بمسدسه القديم ... سأتسلل الي غرفته ليلا و أقتله به ... أعلم أين يخبئه ... فقد دخلت غرفته كثيرا و رأيته ينظفه ... سيبدو الأمر و كأنه حادث انتحار لرجل ثمانيني العمر وحيد ... اصابه الاكتئاب ... و سينتهي كل شيء سريعا فبالتأكيد سيتدخل مالكي الفندق لكي ينهوا كل شيء قبل أن ينتشر الخبر

***
اللعنة علي كل منهما ...زايد و عامر ... لقد حولني عامر من مدير للاستقبال لمخبر اراقب هذا الرجل اللعين الذي يغازل فتيات يتقارب عمرهم مع عمر احفاده في الاستقبال و لا استطيع أن امنعه ... هذه هي التعليمات من مدير الفندق ... لي أنا ... ايمن القناوي مدير الاستقبال اسميا و مخبره الخاص فعليا و صديق دراسته كما يحب أن يعرفني الي الناس ... سأقتلهم سويا ... بالأمس ارتفع صوت عامر في البار و هو يتكلم مع الذئب العجوز ... و سبه و تركه و ذهب وسط ذهول جميع العاملين .. هكذا علمت ... سيبدو الأمر كمعركة بين اصدقاء لعب الخمر برؤوسهم ... و سيشهد الجميع بأنهم تعاركوا بالأمس ... اخبرني عامر بأن زايد يحتفظ بمسدس قديم في غرفته ... سأسرقه و اقتل به الأثنين و سيبدو الأمر و كأن زايد قتل عامر ثم أنتحر ... و بالتأكيد سيتدخل مالكي الفندق لكي يمنعوا الخبر من الانتشار ... خبر مقتل مدير الفندق و احد النزلاء في غرفة من غرف الفندق
سيكون ابدع فن تشكيلي اقوم به ... فن تشكيلي لن يفهم معناه الا انا ... كما يحدث طوال الوقت مع جميع اعمالي

الأحد، مارس 08، 2009

هل صافحتهم كلهم !؟

كان الجو مشمسا للغاية ... و كان جسمي بالكامل مغطي بطبقة شمعية من العرق كنت أبحث عن المكان الذي يجلسون فيه في الزمالك ... عندما توقفت بجانب العسكري لأسأله عن شارع محمد مظهر ... مرت سيارة مسرعة بجانبي و اغرقتني بالمياه الملوثة

بالرغم من أنني كنت ارتدي قميص أبيض و بنطلون كريمي فاتح ... و الاثنين تم صبغهم بالطين الا انني شعرت ببعض الهدوء من اثر رطوبة الملابس المبللة في هذا الحر الشديد

عندما اكتشفت مكان المطعم فتحت البوابة الخشبية و دخلت ... لفحني الهواء البارد فشعرت ببعض الانتعاش ... و أخذت وقتا لكي تعتاد عيناي المكان المعتم ... و عندما رأيت يحيي , تذكرت انني لم اشتري هدية لعيد الميلاد , تذكرت ذلك متأخرا جدا بعد أن كان كل الجالسين ينظرون الي و يبتسمون

يا الله ... كم أكره تلك اللقاءات الكبيرة التي يجلس فيها اناس لا اعرفهم ... الأن يجب أن اصافح الجميع باليد ... عادة اكتسبتها لا اعرف متي و لكني اود التخلص منها ... فيجب أن تسلم و تبتسم ... و انا لم اعد استطيع الابتسام للغرباء ... لم اعد استطيع الابتسام للغرباء !؟

بل لم اعد استطيع الابتسام اساسا

***

عندما بدأت في مصافحة الجالسين ... اكتشفت وجودها ... كانت تجلس في أخر الطاولة تتحدث مع شخص لا اعرفه ... بدين يرتدي نظاره طبية مستديرة صغيرة للغاية ... تبدو حركاته عصبية و يدخن سيجار صغير ... شكله يذكرني باكياس القطن الطبية الممتلئة قبل فتحها ... لا زالت هي تمتلك تلك العيون قاحلة السواد البراقة و الشعر البني الفاتح الغير مصبوغ ... لم اكتشف انني اقف في المنتصف شارد الذهن انظر لها الا عندما وضع يحيي يده فوق كتفي فانتابتني رعشة خفية خفيفة
قال لي ... مالك !؟ تعال اقعد جنبي اعرفك علي هبة ... هبة شاعرة مشهورة ... عارف انك بتحب الشعر ... لم استطع أن اجيبه ... لم اكن اعرف كيف اقول له انني لم اعد اقرأ أي شيء منذ زمن طويل ... طويل جدا ... قد يزيد عن السنتين ... و لكنني جلست بجانبه شارد الذهن


***

في ظل شرودي هذا تشككت في نفسي ... هل صافحت كل الجلوس ... أم توقفت كالابله شارد في المنتصف عندما رأيتها
لا اعرف ... و ماذا سيقول الاصدقاء المشتركين بيننا ان لم اكن قد صافحتها أو اكملت المصافحة للجميع !؟ سيقولون بالطبع انني لازلت مجروحا .. أو أن بيني و بين من لم اسلم عليهم سوء تفاهم ما ... سيتذكر بعضهم حالات شرودي المتكررة و بعض افعالي الغريبة كأشعال السجائر من مؤخرتها ... سيلاحظون أنني اصبحت اهمل في حلاقة ذقني و سيعرفون انني ازور الطبيب النفسي ... سيلاحظون بالتأكيد و لكن ماذا كان يمكنني أن افعل !؟
كان يجب أن اتأكد من انني صافحت الجميع ... لا توجد مشكلة في أن اصافح واحد مرتين ... بالتأكيد كان سينبهني لذلك !! و عندها كنت سأعرف انني صافحتهم كلهم
و لكنني لم افعل ! لماذا اكتشف الحلول متأخرا دائما هكذا ... و هل لو بدأت في مصافحتهم مرة اخري الأن سيلاحظ احدهم اضطرابي الشديد ... و لكنني لا اتذكر اخر واحد صافحته لكي أبدأ به


***


سألت الجالس بجانبي و الذي لا اعرفه ... هو أنا سلمت عليك !؟ و لكنه لم يلاحظ سؤالي فقد خرج صوتي خافتا
فسألته بصوت عالي جدا خرج مني دون ارادتي لأنبهه لسؤالي ... هو أنا سلمت عليك !؟
فانتاب الحضور لحظة من الصمت بسبب سؤالي الذي بدا كبداية لمعركة ... فنظر الي الرجل مندهشا و لم يجيبني ثم اكمل الجميع حديثهم دون أن يلتفت احد لي أو لسؤالي


***


اتخذت قرار بأن اقوم و أتوجه لها مباشرة و اسألها هل صافحتها أم لا و عندما انحنيت بجانبها و سألتها ... هو أنا سلمت عليكي نظرت الي و كأنها تراني للمرة الاولي ... و قالت لي ... مش فاكرة ... و نظرت الي ملابسي المتسخة بامعان غريب دون أن تسألني عن السبب ... فحاولت الابتسام لكي اداري خجلي و لكن خانتني الابتسامة و خرجت بحركة عصبية مرتعشة علي شفتاي ... و لم تبدو ابدا كابتسامة ... فلم اعد قادرا علي الابتسام ... نظرت لها مرة اخري و انا في نصف انحناءة فوجدتها دارت برأسها و اكملت الحديث مع كيس القطن الطبي الجالس بجانبها .. فتسائلت بيني و بين نفسي هل صافحته ام لا !؟

***

لم أدر بأنني وقفت في هذا الوضع المنحني منذ فترة طويلة الا عندما وضع يحيي يده علي كتفي ففردت جسدي بسرعة و درت لأنظر اليه ... عندها شممت رائحة جواربي المبللة في الحذاء الجلدي الجديد ... و ادركت انني لازلت مبللا بالكامل
قال لي يحيي و هو يبتسم ابتسامة حقيقية

انت فين !؟ هبة بتسأل عليك تعال اقعد جنبي


الخميس، مارس 05، 2009

ما علينا

يشبه الأنسان الأرض التي يحيا عليها ... دائما ما تؤثر مكونات الأرض في سكانها ... يأكلون ثمارها و يشربون مياهها .. جلس أبي بعد أخر رحلة عمل له في سوريا و كانت الزيارة الثانية له هناك ... يحكي لي بأن طباع اهل هذا البلد هادئة و محترمة ... فقد تهشمت نظارته بسبب وقوعها علي الأرض و اضطر أن يتعامل مع صاحب محل نظارات و قبلها مع سائق سيارة اجرة ... و كان معظم الناس علي درجة عالية من الاحترام... و اتبع حكايته بأن التربة هناك حمراء اللون و أن اشجار الزيتون كثيرة ... و عندما اخرج صابونة مصنوعة من زيت الزيتون و اشتممت رائحتها شعرت بالسكينة و الهدوء يتسللان الي أنا الأخر ... هذه الصابونة المصنوعة من زيت الزيتون تباع في اوروبا باسعار خيالية ... و يتهافت عليها الفرنسيين كما اعلم ... انها حقيقة أن اصحاب الأرض ... يشبهون كثيرا اراضهم
هكذا ايضا كان يقول المعماري الشهير حسن فتحي ... قل لي أين تسكن ... سأقول لك من أنت
سرحت في تأملاتي هذه اثناء جلوسي في سيارة اجرة و انا ذاهب لفرح صديق ... و عندما انتبهت للطفلة التي يبدو أنها ابنة سائق التاكسي ... حاولت أن انظر بعينيها ... عيون الاطفال دائما مندهشة تتنشق رحيق المشاهد التي تراها ... و تتأثر بها ... مارست هوايتي في النظر للاشياء و كأنني أول مرة أراها هذه المرة من خلال لمعة أعين الطفلة ... فرأيت عيونها تلمع بشدة اثناء اقتراب ميكروباص مننا ... كانت خائفة ... فكرت في أنني يجب أن اضع يداي علي عينيها حتي لا تتأثر و لكن سائق الميكروباص بصق من نافذته و داعب سائق أخر بسب أمه و أبيه و اشياء كثيرة اخري ... فابتسمت لفكرة انني يجب أن اغطي عينيها و اسد اذنيها ايضا
و انزعجت لفكرة عدم انزعاجي لكل هذة المدخلات السيئة لحواسي
يمكنني تفهم بسهولة انزعاج أي اجنبي يقود سيارته في القاهرة أو يتمشي في شوارعها ... هو هو نفس انزعاج اصدقائي من مدينة المنصورة عندما يأتون لزيارتي
في اليوم التالي كان والدي رائقا و يبدو أنه هو الأخر ترك العنان لتأملاته الشخصية في تشابه الناس مع مكونات بيئتهم عندما قال لي ... قديما كان قدماء المصريين يقدسون النيل فلا يلقون بأي شيء فيه ... اما الأن فلا أحد يقدس النهر بل يتبولون فيه ... وجدت في كلامه جانب كبير من الحقيقة ... ما علينا
***
محمد منير غني للنيل و قال : و لا بيوصل و لا بيتوه و لا بيرجع و لا بيغيب ... النيل سؤال و ما زال ما جاش عليه الرد من جد ايه و لفين ؟ مقالش عمره لحد ... و لا بيوصل ... سهران يوشوش ناي و الحلم راح مش جاي ... و باله عالشطين بيحب صوت الناس
و غني البنات بالليل بيكره الحراس لما تدوس بالخيل ... و لا بيوصل ... تفوت ايام تموت احلام تعدي شهور تدور الأرض و الدنيا و هو يدور و لسه بيجري و يعافر و لسه عيونه بتسافر و لسه قلبه لم يتعب من المشاوير
***
كان الاسبوع الأخير عاصفا ... اثنان من أعز اصدقائي بينهم سوء تفاهم خطير ... يتصل بي كل منهم ليشكو من الأخر .. و امارس فضيلة الصمت و الإنصات لكل منهم ... احاول قدر المستطاع ان لا اذم في أي منهما أو أوضح لهما أن الحياة تمر ... استمع اليهم فأشعر بأن كل منهم قديس ... لا يخطيء ابدا ... الكل يتغافل ذلك الجزء الذي اخطأ فيه و يتجاوزه و كأنه لم يحدث ابدا و يذكر اخطاء الأخر ... عجيب أمر هذه النفس البشرية ... تمتلك جهاز مناعة نفسي يمنعها من الاعتراف بالخطأ ... اتذكر أنني قرأت عن مثال صارخ لأستخدام جهاز المناعة النفسي و هو السفاح الأمريكي كرولي ذو المسدسين ... و الذي كان يقتل كل من يشعر بأنه يغضبه .. حتي و لو كان سبب اغضابه أنه لم يرد له التحية ... و عندما القت الشرطة القبض عليه ... قال لهم هذا هو جزائي فقد كنت احاول أن اصلح المجتمع ... هكذا كان يهيأ له جهاز مناعته النفسي ... أنه مصلح اجتماعي
مع ابتعاد نماذج اصدقائي تماما عن هذا القاتل المحترف المهووس ... الا انني و للمرة الاولي استطعت تبين كيف يعمل هذا الجهاز المناعي النفسي بكفاءة شديدة في اثناء سوء التفاهم بين الاصدقاء ... فما بالك بالفرقاء ... ما علينا
***
اعيد قراءة السيرة الذاتية لغاندي للمرة الثانية ... استمتع بمصاحبة هؤلاء البشر و لو في كتاب .. و دائما تكون القراءة الثانية لنفس الكتاب افضل كثيرا من القراءة الأولي ... تكرر معي هذا الاحساس عدة مرات في عدة اعمال تاريخية و ادبية و هذه المرة ظهرت لي من بين السطور تلك المقولة للرجل و التي لا اعرف كيف لم الاحظها في القراءة الاولي و مرت مرور الكرام رغم اهميتها الشديدة
يقول غاندي : يجب أن نميز بين المرء و اعماله , ففي حين يستوجب العمل الصالح الاستحسان و العمل السييء الازدراء , دائما ما يستحق صاحب تلك الاعمال – سواء الصالحة أو الشريرة – الاحترام او الشفقة . فمع سهولة استيعاب القاعدة السلوكية التي تقول : ابغض الخطيئة و ليس مقترفها , نادرا ما نجد من يعمل بها . و ذلك السبب وراء انتشار سم الكراهية في انحاء العالم .
إن الاهيمسا " اللاعنف " هي اساس البحث عن الحقيقة . ادرك كل يوم أن البحث عن الحقيقة يكون عديم القيمة اذا لم يعتمد علي الاهيمسا كأساس له . من الطبيعي أن تقاوم نظاما ما و تهاجمه , لكن عندما تقاوم واضع ذلك النظام و تهاجمه تكون كمن يقاوم نفسه و يهاجمها . فجميعنا نحمل نفس الصفات السيئة و جميعنا خلقنا إله واحد , و لذلك فالقوي الإلهية بداخلنا مطلقة . إن ازدراء إنسان واحد يعني ازدراء تلك القوة الالهية , و من ثم فإن ذلك لا يضر ذلك الإنسان وحده بل العالم أجمع
***
ما علينا


statistique