الثلاثاء، فبراير 19، 2008

غسيل .. الذكريات

جمعت اول الاسبوع الماضي كل ملابسي الداخلية ووضعتها بداخل الغسالة ... جلست قليلا امامها اتأمل مشدوها كل تلك الاقراص المستديرة و المفاتيح ... للحظة شعرت بأنني علي وشك قيادة طائرة و ليس مجرد تشغيل غسالة ملابس ... ادرت بعض الاقراص ... و ظبطها علي علامة نبات القطن ... و اتبعت التعليمات التي تركتها لي والدتي في استخدام هذة الالة الغريبة عني ... و عندما انتهت الغسالة من الدوران و الشطف و الغسل ... اخرجت الملابس المبلله و وضعت انفي عليها فلم اشتم أي رائحة ... و كنت قد منيت نفسي بأنني سأستنشق تلك الرائحة الجميلة التي احبها للملابس المغسولة توا ... بالامس قبل أن انام .. قررت غسل ما تم استخدامه في هذا الاسبوع ... فاتبعت نفس التعليمات و عندما فتحت درج الصابون ... وجدته ممتليء كما هو ... من المرة السابقة ... اذن فقد كان هذا هو السبب .. لم يتم غسل الملابس بصابون ... و انما بمياه ساخنة فقط ... انتابتني نوبة من الضحك و شعرت بالقرف للحظات من ما ارتديه ... و فهمت انني وضعت الصابون في مكان خاطيء بالطبع ... فملأت كل الاماكن الصغيرة المقسمة في الدرج بالصابون و ادرت الغسالة ... و عندما استيقظت اليوم صباحا ... فتحت الغسالة لأجد تلك الرائحة التي احبها ... رائحة الملابس المغسولة توا ... ملابس طازجة
خرجت الي الشرفة ... و وجدت عصفور أخر صغير .. خارجا للتو من بيته الخشبي و واقفا بين العصفورين الكبيرين ... يقف مشدوها من هول رؤيتي ... اتفهم شعوره ... و كأنه يقول .. ما هذا المخلوق الغريب الذي يحمل اشياء اغرب !!
بدا لي انها ستمطر ... السماء ملبدة بالغيوم ... فتذكرت ما كانت والدتي تفعله ... قطعة مشمع فوق المنشور علي الاحبال .. لكي لا يبلل نزول الامطار الملابس ... ففعلت نفس الشيء ... و عندما بدأ المطر في النزول ... شعرت بسعادة بالغة لفطنتي ... ها انا اتعلم خبرات جديدة رائعة ... غسيل الملابس و التنبوء بمواعيد الامطار اثناء نشرهم

**

جلست خلف زجاج الشرفة مع المدهش عزيز نيسين .. ذلك الساخر الرومانسي التركي ... اشتريت كتاب له عندما مررنا بمكتبة احد اصدقاء توتا ... لكي يسلم عليه العزيز جدو كما طلب مننا جدو عند نزوله الي مصر ... و بدأت في استكمال قراءة الكتاب .. يتكلم عن استقباله لعمره السبعين و كأنه يتكلم عن انه تم عامه العشرين تماما !! لم استطع التمادي في القراءة و تجاهل تأمل الامطار ... فهي تغسل الجو ... تجعل رائحته مثل ما يفعل الصابون بملابسي ... رائحة طازجة مبللة بالفرح و النقاء
فتحت الزجاج و وقفت لأملء صدري بالهواء النظيف قدر المستطاع ... فتحت احدي الملفات التي جهزتها منذ سنوات طويلة ... اغاني متتالية اولها اغنية منير ... وجدتها مناسبة لهذا الصباح الجميل ...
بافتح زرار قميصي للنسمة و للاغاني و انور فوانيسي .. و املي العالم اغاني .. اغني للمحبة و للنجم المللالي .. دي الغنوة بالف شبة و طايرة في العلالي ... باغني للسعادة و باغني للرضا و الغنوة كل ما ده ... تعلا و تملي الفضا .. أه يا هوا يا سيسي انت لساني و حصاني ... بافتح زرار قميصي للنسمه و للأغاني .. و انور فوانيسي .. و املا العالم اغاني
باغني للحقيقة .. و باغني للانسان .. و غنوتي الرقيقة بتنور لي الزمان ... أه يا هوا يا سيسي انت لساني و حصاني ... بافتح زرار قميصي .. للنسمة و للاغاني ... و انور فوانيسي و املي العالم اغاني


***

تصبغ الاغاني الذكريات ... يصبح لكل مكان و شخص اغنية مميزة له ... تحبها و تسمتع بها ما دمت تحبه ... و تصبح عاجزا عن احتمال سماعها اذا كرهته ... انها تلك النفس الانسانية التي تصبغ كل شيء حتي الجماد بالانسانية ليعاني من أفة الاحساس بعدها طويلا
لم أكن ادرك ان تلك الاغنية ستباغتني في نفس الملف المحفوظ به عدد من الاغاني منذ زمن طويل ... احفظ مقدمتها جيدا
...
بيانو .. بيانو ... تذكر اخر مرة شفتك امتي !؟.. تذكر وقته اخر كلمة قلتها ... و ما عدت شفتك و هلق شفتك ... كيفك أنت !؟
يا الله ... هل امتد مفعول النظافة الي تلك الاغنيه ايضا !؟ اهدتها لي هي منذ ما يقارب الاربع سنوات ... و قالت لي انها اجمل ما غنت فيروز ... فظللت اسمعها و اسمعها حتي ارتبطت بها
و عندما ذهبت هي ... ظلت اذاعة نجوم اف ام تعذبني بها دائما ... و لكن كما اكتشفت اليوم فغسيل الذكريات ليس سهلا كغسيل الملابس الداخليه ... كان يجب ان اهديها الي العديد من الفتيات و اسمعها معهن ... و اسمعها في مناسبات مختلفة لكي تفقد ذكراها لدي ... كان يجب أن اتشارك بها مع اكبر عدد من البشر لكي استطيع ان انسبها لفيروز و لكل من سمعها معي و ليس لها فقط ... و قد فعلت ذلك كثيرا ... حتي مللت و يأست ... و قررت انني لن اسمعها مرة اخري ... فلا داعي من تلك الاغنية ... ستسقط عمدا من الذاكرة .. و لكن اليوم عندما خرجت مباغتة من سماعات الكمبيوتر ... ابتسمت ... فقد كانت منتسبة لفيروز و ليس لأي احد أخر
و لأن الزمن له مفعول السحر في النسيان ... و في غسيل الذكريات كما الصابون تماما مع ملابسي الداخلية
اقتربت بأنفي من السماعات ... في نهاية الأغنية ... فاستنشقت رائحة نظيفة ... رائحة ذكريات ايام مغسولة
و رائحة عمر طازج سعيد ... الان فقط ادركت لما كان يكتب عزيز نيسين عن عمر السبعين و كأنه في العشرين
يبدو انه كان يعلم هذا السر ... سر غسيل الذكريات

**


إمبارح ... و أنا بعذوبتي فارح بالشوق و الهوى سارح كان عمري عشرين ... إمبارح ... كانت الامواج تتلاوح صحة الأبدان تترايح يا زهرة السنين إمبارح ... كان عمري عشرين ... عشرين
و النهار ده حتي و لو كان تلتمية ... لكن انا حاسس اني في العشرين !!


*


صباح السعادة و الخير و التفاؤل

الخميس، فبراير 14، 2008

مصر .. عيد الحب ... حسين عبد العليم

تتناثر الافكار برأسي و لا تتجمع ... لا اعرف لماذا !؟ تظل الافكار وحيدة و ثائرة و لا تتجمع ابدا
تظل تتناثر و تتناثر ... خرجت صباحا الي شرفتي لأجد العصفور الأب الازرق و الزوج الثاني لعصفورتي التي وجدتها منذ سنوات فوق ستارة غرفة المعيشة صغيرة وحيدة جائعة مرتعشة... هذا الازرق الذي ملأ الدنيا زقزقة و سعادة و عصافير صغيرة ... بدون قدم ... أدركت أن الصقر نزل من علو سماءه مرة أخري ليهاجمه فالتهم قدمه و ذهب
نجح هذه المرة في فعلته الدنيئة ... في المرة السابقة كان العصفور الذكر الأخر الأخضر ... و الزوج الاول لعصفورتي ... يقف في اعلي مكان في قفصه الاحمر ... و لما رأي الصقر ... كان به من الشهامة ما يكفي لكي يهاجمه هو الأخر ... عصفور يهاجم الصقور !! امره غريب ... قتله الصقر بضربة مخلب واحده في صدره
فسقط صريعا ... اما الازرق فكان أكثر ذكاء ... تذكر أنه لديه اطفال
أخرجته لأري بقعة من الدماء الحمراء الداكنه لم تجف بعد من اثر التهام الصقر لفخذه و قدمه دفعة واحدة
عندما افاق بعدها بحوالي ساعتين ... بدأ يأكل بعض الحبوب ... ثم صعد الي زوجته ... و اعطاها الحبوب المطحونه من فمه الي فمها ... لتذهب هي الاخري لصغارهم ... و تعطيهم الحبوب ليأكلون
هكذا تجري الامور دائما في اطعام صغارهم ... و لكن اليوم فهمت ما هو معني الابوة ... و ما هي التضحية التي قد تصل الي حدود خطر الموت ... التي يبذلها الاباء لكي يحيا ابنائهم ... حتي و هم يعانون من فقدان ركائزهم الاساسيه في الحياه .. اقدامهم ... حتي و هم ينزفون من جروح واسعه ... لم تلتئم بعد ... و ربما لن تلتئم قريبا ... و ربما تتسبب في موتهم
----------------------------------------
الساعة الخامسة فجرا ... اتصلت بثلاث محلات للوجبات السريعة فلم يرد علي احدهم ... و لا يوجد أي طعام بالبيت مر أسبوع و يتبقي اربعة عشر يوما أخرين لكي يعود ابي و امي الي المنزل ... ذهبوا لزيارة اختي في الطرف الابعد في الكرة الأرضية ... استراليا ... و تركوني هنا في شبرا ... الأن علي أن اجمع القمامة من المنزل ... و اضعها في كيس نايلون و اتركها علي باب الشقة لكي يأخذها الرجل ... علي أن اغسل ملابسي الداخلية ... و أن اتابع العديد من الاشياء بنفسي ... اجيب الاتصالات الهاتفيه ... بعض افراد الاسرة يسألون عن احوالي ... اتصل احد افراد الامن بمصنع والدي عدة مرات في نفس اليوم متسائلا عن بعض الاشياء ... فلا افلح ان اجيبه بأي شيء ... يتصل أخرون و يظلوا يتكلمون في الهاتف الارضي طويلا ... حديث من نوعية ابغضها بالفعل ... يتكرر سؤال و انت عامل ايه حوالي ثلاث او اربع مرات في نفس المكالمة لعدم وجود كلمات تملأ فراغ الوقت ... فاجيب بانني بخير و في احسن حال ... احاول انهاء تلك المكالمات التي لم اعتاد الرد عليها ... فلا انجح ... فاقرر بانني لن اجيب علي هاتف المنزل كما كنت افعل دائما في وجودهم
----------------------
---------------------
عيد الحب ... تأتيني بعض الرسائل علي تليفوني المحمول ... هابي فلانتين ... فاجيب بمثلها ... ما معني أن يكون الحب مثل التبرز ... له اوقات معينه نتبرز فيها بعض الكلمات مثل التي تتكرر علي مسمعي في الهاتف ... و انت عامل ايه ... كلمات تملأ فراغ زمني ... و لا يشعر بها أحد .. نبرة الاصوات تدل علي ذلك بشدة لكنه الواجب
الواجب ... و نحن صغار يكون الواجب أن تكرر حرف الالف العديد من المرات في صف طويل في كراستك و انت لا تعرف ما الفائدة ان كانت مرة واحدة كافية لكي تحفظ شكل الحرف
و عندما تكبر قليلا ... يكون الواجب أن تحترم المدرسين ... و تكتب موضوع انشائي طويل عن مضار التدخين و أنت تعلم أن من سيقرأه و يصلحه لك ... مدخن
و عندما تكبر اكثر ... يتحول كل شيء الي واجب ... حتي ممارسة الجنس ... فعل الحب ... في اطاره الشرعي يسمي بالواجبات الزوجية
ملعونة هي تلك الواجبات
-------------------
-----------------
منذ سافر أبي و أمي لأختي هناك ... و انا اتسائل ... ما هو معني الوطن !؟ ... هل هو التراب و النيل و الوردة البلدي او كلمات اغنية شيرين التي تستفزني ... ماشربتش من نيلها ... طب جربت تغني لها ... فأجيب عليها بأنني بالفعل اشرب من الحنفية مياه ملوثة ... فتنتفخ بطني ... فاتعاطي اقراص الفحم مثل المدمنين ... فتأبي فتحة شرجي أن لا تغني الا باصوات تتبعها روائح .. و استياء من المحيطين ... فأكمل الاغنية ... جربت في عز ما تحزن تمشي في شوارعها وتشكيلها ... ما كل الناس ماشية في شوارعها بيكلموا نفسهم زي المجانين !! هي مين دي بقي اللي اشكي لها !؟

الوطن هو ابي و امي و اختي ... و بعض الاصدقاء لا يتعدي عددهم اصابع اليد الواحدة و القليل من الشرفاء الذين اتابع اخبارهم باهتمام ... و هي دي مصر فهل هناك من سيغني لمصر التي احبها يوما ؟؟

عن أي وطن هؤلاء يتحدثون !؟... ان كانت كل الاوطان توفر لك شرب المياه ... و التراب ... و التمشية في الشوارع اثناء الغضب
------------------
----------------
فرحة المصريين بالمنتخب المصري تدهشني ... لا شك في أن الجميع منتشي لما حققه فريقنا القومي من انجاز .. انا ايضا فخور بما حدث ... و لكن ما ينغص علي بالفعل ... ان يكون هدف في مرمي شباك الكاميرون في نهائي كأس افريقيا هو الهدف القومي لمصر ... مصر التي كانت تبني الاهرامات ... اه اعرف انك ستتهمني بأنني من انصار سبعة الاف سنة حضارة ... لا ... الهدف القومي لمصر منذ ما يقارب المئة عام كان الوحدة و الجلاء ... وحدة مصر و السودان ... و جلاء الاحتلال الانجليزي عن مصر ... فتحقق الجلاء ... و اصبحنا نجد في كل مدينة مصرية شارع الجلاء
و لكن ... اين شارع الوحدة ؟؟ لا اعرف ... يوجد شارعا واحدا يظل شاهدا علي الحلم ... شارع مصر و السودان
ظل الحلم يتضائل و يتضائل حتي اصبح هدف في مرمي شباك الكاميرون و ان كان في كأس الامم الافريقية
-------------------
-------------------
انهيت قراءة رواية فصول من سيرة التراب و النمل اليوم ... و منذ اسبوع مضي قرأت رواية رائحة النعناع ... روايتين لحسين عبد العليم ... لم أكن اعرف هذا الروائي المدهش من قبل ... كالعادة عرفته متأخرا ... فندمت علي انني لم أكن اعرفه من قبل ... بقي لي رواية اخري له اشتريتها من معرض الكتاب اسمها سعدية و عبد الحكم و أخرون
اود مشاركتك بمقطع من رواية رائحة النعناع

اذا قدر لأحد أن يخلد فسوف تكون بدرية , سوف أخلدها في ذاكرتي رغم انها بنت الكلب لم تعرني اهتماما , ربما كانت قد لاحظت اضطراب مرتي الاولي , عندما احضرها اصدقائي سريعا لم أدر ما الذي اعتراني , و حتي اثناء الممارسة السريعة الملهوفة و التي انتهت في ثوان - كنت متضايقا من كبر حجم ثدييها و من انها كانت عبارة عن دفء لزج متسع , قابلتها بعد ذلك بأيام فحكت لي انها خارجة لتوها من المستشفي , قالت : كنتوا كتير قوي ...تعبتوني .
بعد أن قضيت وطري منها للمرة الثانية خرجت الي الشارع , تولد لدي شعور بأنني اطول الرجال في الطريق , ثم تراجع الشعور الي صياغة عقلانيه , انني لا اقل طولا عن أي رجل , و دخلت الي سينما الفنتازيو بميدان الجيزة .
مقطع أخر من رواية سيرة التراب و النمل
اتقن فاروق عزيز لعبة المثقفين مع الفتيات : يحدث اللقاء فيتبادلان حديثا عابرا , اتصالات تليفونيه سريعة مهذبه و مبررة , يرشح كل منهما للأخر كتبا هامة في السياسة و الادب و يعيره اياها , في مرات اللقاء التالية يتعرفان قليلا التجارب السابقة لكل منهما , ثرثرات ثم حديث عن الحب الحقيقي و الاصدقاء الخونة و المجتمع القبيح , حتي يصبح الوقت ملائما ان تتلامس ايديهما دون حرج
--------------------
-------------------
الأن اصبح لدي اديب جديد أعرفه و ابحث عن اعماله مثل محمد المخزنجي و عبد الوهاب مطاوع و انطون تشيخوف و احسان عبد القدوس و صنع الله ابراهيم ... اذا تجاوزنا روايته الوحيدة التي لم استطع اكمال قرائتها ... نجمة اغسطس


statistique