الاثنين، ديسمبر 24، 2007

هو



ظل يتأمل العناكب و هي تنسج خيوطها لتغطي منفذ الضوء الوحيد في اعلي السقف ... لم يعد يعرف كم من الوقت مر عليه هنا ... فقد ادمن الحبوب المخدره يوما بعد يوم ... اخبره احدهم قبل ان يذهب بلا عودة انها تجعل الايام تمر في هدوء و بلا تفكير ... فسرقت عمره ولم يفيق الا قليلا ... يدخل اليه كل يوم ثلاث مرات من تحت البوابه الحديديه البارده الصماء التي اشتم رائحة الصدأ عليها كثيرا طبق صغير به كسرة شبه عفنه من الخبز و حبوب مخدرة ... حتي النزهة الوحيدة التي اعتاد عليها حرم منها ... فسابقا كان يري عيون بشري أخر يدخل اليه الطعام ... فيسترق النظر اليها خلسة ... لكي يري العالم الخارجي من خلالها ... اما الان فلم يعد يري أي شيء الا الفتحة الصغيرة في اعلي سقف الغرفة الضيقة ... بها قضبان من الحديد متقاطعة تسهل علي العناكب عملها في سد الضوء عنه
و في المرات القليلة التي سدت فيها تماما ... القي بحجر جيري صغير خلعه من الحوائط علي الشباك التي كستها ليتمزق جزء منها ... يظل يتابع عمليات القنص طوال النهار ... ذبابة تقف علي القضبان الحديديه ... فتشتبك أرجلها بشرك العنكبوت ... فتعلق .. و تموت ... لتصبح طعاما ... في احدي المرات راودته فكرة أن يأكل هذا الحجر الجيري الذي يكسو الحوائط ... اعجبه طعمها الابيض ... فكان يغمض عينيه ... يكف عن محاولاته البائسة في رؤية النور .. و يستسلم في خدر الي طعم الجير في فمه ... و يتوحد مع الحوائط ... يتلامس معها بوجهه و صدره ... يتمرغ في حبيبات الجير فوق الارض ... حتي يتلامس مع الحديد البارد ... يلعق بلسانه الصدأ فيشعر بلذعة علي طرف لسانه ... يحاول تذكر ملامحه ... فلا يستطيع ... لم يعد يتذكر كيف كان يبدو وجهه ... اما اسمه فهو يتذكره بالكاد ... فلا أحد يناديه ... و ما فائدة الاسماء ان كان وحيدا
استيقظ من خدره في احدي الايام علي صوت المزاليج الحديديه تفتح ... و رأي وجوه كثيرة لم يستطع ان يميز بينها ... جميعها لها نفس الملامح المعدنيه الصدئه ... اخذوه في ردهات واسعه و بخطي مسرعة ... و بعد عدة بوابات و مزاليج .. اخرجوه الي مكان يستطيع ان يري منه السماء ... مكان بلا اسوار .. و بلا قضبان حديديه .. مكان لم يعد يتذكرانه كان يحيا به يوما ما ... نظر في عيون الكثيرين ... تذكر انها كانت اقصي امنياته و اجمل النزه منذ سويعات قليلة
نظر كثيرا في عيون الناس ... و لم ينظر اليه احد ... نظر و ليته لم ينظر ... فقد رأي في كل العيون فتحات ضيقة يكاد ينفذ منها بصعوبة الضوء ... و عناكب تنصب شباكها لذباب صغير ... يقف علي القضبان الحديديه .. فتشتبك ارجله بشرك العناكب ... فتعلق ... و تموت لتصبح طعاما ... استشعر في فمه مذاق الحجر الجيري ... و لكنه لم يعد يستطيع التلامس معه ... لأنه ما عادت الحوائط من حوله ... و عندما رفع رأسه الي السماء ... رأي عناكب اخري نبتت لها اجنحه ... تنصب شركها لذباب صغير ... فصرخ بصوت عالي ... و لكنه اكتشف انه فقد القدرة علي النطق عندما لم يعيره احد اي اهتمام ... فوضع يده في جيبه و اخرج بعض الحبوب المخدرة ... نظر اليها قليلا ... ثم ابتلعها ... فهي تجعل الايام تمر في هدوء

السبت، ديسمبر 15، 2007

حبيبات من الرمال ... متشابهة بدقة ملعونه في الشكل و اللون و الحجم

برد ... كانت البرودة شديدة عندما خرج من كهفه ... نظر الي اقصي مدي النظر ... حتي خطوط الأفق ... رأي حبيبات من الرمال متشابهه في الحجم و اللون و الشكل في كل مكان من حوله ... نظر خلفه الي الكهف مرة اخري .. فلم يجده ... تحول الكهف الي حبيبات من الرمال ... متشابهه في الحجم واللون و الشكل ... قرر أن يمشي قليلا الي الامام ... لامست ارجله الارض .. غاصت قليلا في الرمال ... فابتهل .. تهلل .. فربما تترك اثار اقدامه علامات ... تشهد علي انه مر من هذا المشهد العبثي رجلا ... في مكان .. لا يوجد به رجال ... و لا نساء ... فقط حبيبات من الرمال ... متشابهه في الحجم و اللون و الشكل ... ضغط بشده علي الارض لكي يترك اثرا لا يزول بسهوله ... كان يأمل أن يري شيء أخر في هذا المكان الملعون ... المليء بالرمال ... المتشابهه في الحجم و اللون و الشكل ... و كلما كان يتقدم و لا يري شيئا يعزي نفسه ... بأنه اذا مر احدهم فسيري بالتأكيد اثار اقدامه فيتبعه ... و عندما انهكه المشي ... قرر ان يتوقف قليلا ... جلس علي حبيبات الرمال المتشابهه في الحجم و اللون و الشكل ... و نظر خلفه لكي يري اثار اقدامه ... و لكنه لم يري اي اثار .. او علامات .. فهي ارض رملية لا تحتفظ بأي اثر ... اصيب بخيبة امل ... انتابته في تلك اللحظه افكار كثيرة ... ربما مر الكثير من هنا قبلي و محت اثارهم الرمال المتشابهه في الحجم و اللون و الشكل... كما فعلت معي ... فتاهوا ... او ... ربما ... وصلوا ... و لكن وصلوا الي اين ... وصلوا الي ماذا ... في وسط هذه المتاهه ... ليست متاهه !؟ لأن المتاهات لها بدايات معروفه ... اما هنا .. فقد تم محو البدايه ... قرر أن ينام قليلا ... ارهقه المشي الكثير ... و التفكير ... و عندما استيقظ ... وجد ارجله تحولت الي حبيبات من الرمال المتشابهه في الحجم و اللون و الشكل ... تأكد من انه لم يعد قادرا علي المشي .. فحاول ان يحبو بيديه الي الامام ... فتحولت هي الاخري ... الي حبيبات من الرمال متشابهه في الحجم و اللون و الشكل
و تتابع التحول ... فلم يبقي الا عينيه ... ظل ينتظر حدوث شيء ما ... و لكنه لم يحدث ... ظل ينظر الي خطوط الافق عله يجد احدهم قادما ... و بالفعل ... رأي رجلا اخر يمر ... يدق باقدامه بشدة علي الارض لكي يترك اثرا و ينظر خلفه في كل خطوة.. و لا يجد اثار لأقدامه ... حاول ان يصرخ له ... يا عزيزي ... هذه ارض رملية متشابهة الحبيبات حجما و لونا و شكلا ... و لكن لسانه كان قد تحول الي رمال ... و اصابه الصمت الابدي
الصمت البارد ... المصحوب بالنظر ... ود ان تتحول عينيه الي حبيبات من الرمال متشابهة الحجم و اللون و الشكل ... و لكن لم يحدث ... و رأي الكثيرين يمرون ... و هم لا يعلمون انهم يوما ما ... سيصيبهم التعب و يتحولون ... الي ... حبيبات من الرمال ... متشابهة بدقة ملعونه في الشكل و اللون و الحجم


انتابته شهوة مكتومه مكبوته للاجهاش في البكاء ... و لكنه لم يفعل ... فقد كان يعلم ان دموعه ستتحول الي حبيبات من الرمال المتشابهه في الحجم ... اللون ... الشكل



الأربعاء، ديسمبر 12، 2007

ده خد علقه !! ما خدهاش حرامي في مزنق

قال العالم النحوي الكبير، ابو الفتح عثمان المعروف (بأبن جني) 392هـ "وإذا ما عرفنا ان اللغة ليست هي مجرد رموز تدل على مداليل معينة، بل هي المخزون الذهني للثقافة ومستودع خبرة الجماعة، فكل مفردة من مفردات اللغة مشحونة بشحنة دلالية معقدة ومتعددة الجوانب،وهي امكانية كامنة بالقوة، واشمل من النظام اللغوي للغة نفسها،ان اللغة بيت الوجود، وفي بيتها يسكن الانسان
ده خد علقه !! ما خدهاش حرامي في مزنق
ده خد علقه !! ما خدهاش حمار في مطلع
دخلت الي فيلم هي فوضي مرتين ... فيلم كله رموز و للاسف لن يفهمه الكثيرين ... نعم لن يفهمه احد فالكثير انتقده علي اساس انه قصة حب رديئة و حبيب يدافع عن حبيبته و لم ينتبه احد لكل هذه الرموز
عندما خرجت من الفيلم اخبرني صديقي ان قصته رديئة جدا ... حاولت ان افهمه ان هناك ثلاث سلطات في مصر... سلطة تنفيذية و سلطة تشريعيه و اخري قضائية .. و لكنه لم ينتبه لما اقوله و ظل يؤكد انه لا داعي لمشهد الدم علي موضع العفه في فستان منة شلبي او نور بنت بهيه بعد مشهد الاغتصاب ... نور بنت بهيه ... حتي الاسم له دلالات
ما علينا
انا لم ابدأ الكتابة في هذه التدوينه لكي انقد فيلم هي فوضي ... فالكثير كتبوا عنه ... و كانت ارائهم كافية و وافيه للفيلم ... كل ما اردت ان اقوله هو انني لاحظت ظاهره غريبه اثناء الفيلم
كلما ضرب امين الشرطه حاتم احد المواطنين بيده علي وجهه او قفاه .. سمعت بعض ضحكات و ابتسامات تتردد هنا و هناك بين المشاهدين في صالة العرض ... رغم مأساوية الحدث الا انهم يضحكون لأنه ضربه علي قفاه
لا اعلم هل سأحمل الامور اكثر من ما تحتمل اذا ما تم تجميع مشاهد مختلفه من السينما في افلام عدة كأفلام عادل امام التي لا يخلو معظمها من قفا مضحك ... او اعلانات ميلودي تيونز و تريكس و افلام و اغاني التي تنتهي غالبا ب قفا او اثنين مضحكين ... و هل لهذا علاقة بالتهريج بين الشباب في بعض المقاهي و النوادي و اماكن تجمعهم الاخري بأن يضرب احدهم الاخر بال قفا بعد أن يغافله !؟ فيتبع ذلك الضحك او ببعض الامثله الشعبيه من عينة ده خد علقه ما خدهاش حرامي في مزنق و في قول اخر خد علقه ماخدهاش حرامي في السوق ... و هل ساتمادي في تحميل الامور ما لا تحتمل ... اذا قلت لك ان ثقافة العنف البدني حتي مع الحيوانات الاليفه هي ثقافة لها جذور في مجتمعنا الحالي ... لماذا نلوم علي الشرطه انها تمارس العنف البدني و نحن متي امسكنا بلص في اي مكان نوسعه ضربا و ركلا و سبا !! حقيقة انا لا استطيع ان الوم احدا يفعل ما نفعله تماما
اصل اللي بيحترم نفسه ... الناس بتحترمه
بعد انتهاء تحليل هذا المثل ... ده خد علقه !! ما خدهاش حرامي في مزنق ... بدأت اتأمل في باقي الامثلة الشعبية التي تستفزني بشدة و التي تمثل الموروث الثقافي و نتاج واضح و صريح بلا مواراة او تجميل لتحليل سلوك المجتمعات التي ترددها وجدت هذه الامثله ايضا اتركك لكي تحللها انت بمعرفتك ...
ان قابلك الاعمي كل عشاه مش هاتكون احن عليه من اللي عماه ... اللي يصعب عليك يفقرك ... الحظ لما يواتي يخلى الأعمى ساعاتي ، والمكسح عجلاتي ... و اخيرا .. اللي ما يشوفش من الغربال يبقي اعمي

الاثنين، ديسمبر 03، 2007

دخل الشتا

دور من البرد الشديد يتنقل من جزء لأخر في جهازي التنفسي ... يوما يظهر في صورة الم في زوري .. و الذي يتلوه في صورة سعال شديد ... و اليوم اصحو لأجده تحول الي رشح ... الحت علي والدتي في أن اخرج بعض الاغطية الثقيلة ... يا بني الشتا دخل خلاص ... فاعدها بأنني سأفعل ... و لا افعل
دخل الشتا و قفل البيبان عالبيوت
و جعل شعاع الشمس خيط عنكبوت
و حاجات كتير بتموت في ليل الشتا
لكن حاجات اكتر بترفض تموت

الشتاء ... يبدو كأنشوده موسيقيه ... تلهب اطراف الاحساس بالبرودة .. فتجعلك تبحث عن الدفء .. تضم ذراعيك .. و تنتشي ... فالضد بضده يعرف ... تأتي الابتسامه صافيه من اعماقي كلما تذكرت ما حدث لي منذ ما يزيد عن 14 شهر ... ان تأمل أن تتحد بروحك مع روح اخري بالحب ... فتعطي كل ما تملك من احساس و افكار ... كهبة .. هدية بلا مقابل ... و انت في منتهي السعادة و في قمة عطائك ... تجد الروح الاخري تأخذ هداياك بوجه بارد و تلقي بهم في صندوق قديم جمعت به كل هدايا من سبقوك و وقعوا في هذا الجرم الشديد ... و يظل الوجه باردا كوجه قطه تأكل و تفكر في انه لابد من انها ملاك ... فجميع البشر يعطونها دون ان ينتظروا مقابلا ... فتبتعد انت كمن مس جمرا مشتعلا مؤكدا لنفسه انه نسيما باردا في ساعات القيظ الشديد
و يأتي دور الاغنيات الحزينه لتصب الزيت علي النيران فتزيدها اشتعالا ... تسمع و تسمع و كأنك تستعذب الالم و تكفر عن خطيئة الحب ... يا الهي!! ... و هل يكون الحب خطيئه !؟ ... كيف يتم تجميع كل هذا التضاد في مكان واحد .. الحب و هو اعلي الفضائل جميعا ... يتحول لخطيئة شديدة الوطئة علي النفس
يومها سمعت مقولة من احدي الاصدقاء ... انت لن تكره من تحب ابدا ... ستنجح يوما ما ان تجعل مشاعرك قي حياد تام .. بلا كره و لا حب ستقف في المنتصف تماما ... و ستنظر الي من كنت تحب ... مشفقا عليه
بالامس ليلا في محادثة علي الانترنت حاولت هي اقناعي دون ان اسألها للمرة الالف او ربما الالفين انها استغنت تماما عن استخدام التليفون المحمول ... وددت ان اخبرها انها لا تحتاج لأن تقول ذلك لي ... فحتي و أن كانت تستخدمه فانا لا انتظر شيء
حاولت اقناعي باننا لازلنا اصدقاء ... فابتسمت مشفقا علي هذه المحاولات المحكوم عليها بالموت الحتمي من قبل ان تولد حتي
وددت ان اخبرها ان العلاقات البشرية تنمو في اتجاه واحد فقط ... و لكنني لم افعل
ودعتها ... و استسلمت لنوم عميق ... استيقظت صباحا علي صوت طيوري الجميله الجديدة ... فتحت الباب و خرجت لأنظر اليهم ... عندما اقتربت بوجهي من القفص اقتربوا مني و ظلوا يزقزقون فرحا ... فزقزقت لهم محاولا تحيتهم كما يفعلون معي فصمتوا قليلا دهشة من هذا العصفور الغريب الشكل ثم علت اصواتهم مرة اخري
وجدت ابي مستيقظا هو الاخر ... صباح الخير .. قالها لي بصوته المميز و بابتسامه ما بين الحروف
وددت ان اقول له انني قرأت بالامس ان فرويد يقول ان الاب هو الفكرة الاولي التي تتكون عند الطفل عن الاله فهو يراه الاقوي و الاهم و الاكثر قدرة علي حمايته و لكنني تراجعت كي لا تزول الابتسامه من علي وجهه و يقول لي انني اجهد نفسي في السهر كل يوم ليلا للقراءة و لا انام مبكرا كبقية خلق الله .. ففضلت الصمت
أنا كنت شيء و صبحت شيء ثم شيء
شوف ربنا ... قادر علي كل شيء
هز الشجر شواشية و وشوشني قال
لابد ما يموت شيء عشان يحيا شيء
و عجبي

الرباعيات للعبقري صلاح جاهين





statistique